الشيخ عمر القزابري يكتب: امْرَأَةٌ أَسَرَتْنِي.. .!
هوية بريس – الشيخ عمر القزابري
بسم الله الرحمن الرحيم . والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أحبابي الكرام:
وأنا في إِحْدى القصبات التاريخية القريبة من مدينة وارزازات الجميلة.. وفي جبل من تلك الجبال التي يُداعب قِممها ثلج يشير إلى بياض قلوب أهلها.. في تلك التَّجلياتِ التي أخذتني إلى مكان بعيد.. حيثُ السكينة والجمال والجلال.. وحيثُ البساطة الناطقة.. في تلك اللحظات رأيت امرأة طاعنةً في السن في محلٍّ للتوابل.. فَوجدتُني مُنجذِبا نحوها وكأنك هناك سُلطةً خفية أخذتني نحوها لأسلم عليها وأقبِّل يدها.. رأيتها فرأيتُ فيها زمنا وذكريات.. رأيتُ فيها عزة وتواضعا.. ورأيت فيها مالم يَبُحْ لي قلبي به.. فسلمتُ عليها فإذا بابتسامتها تُشرق وهي لا تَعرفُني ولا أعرفها.. ولكنَّه الصفاء والنقاء.. أحسست وأنا في خيمة أخلاقها بسكينةٍ وانشراحٍ وأمان وطُمأنينة.. فأخبرتني أنها تبلغ مائة سنة.. فقلتُ لنفسي.. سبحان الله.. قرنٌ يتكلم.. قرنٌ بكل تجاربه وأحواله.. قرنٌ بكل تجلِّياته.. فما كان مني إلا أن أرخيتُ سمعي لِلِسان الزمان.. حدثتني عن شخصياتٍ سكنت المنطقة من أعيان ومقاومين وصالحين.. كلُّ ذلك بذاكرة مُتقِدة لا تُسقِط شيئا.. مع ابتسامة لا تغادر.. .وكانت القناعةُ والرضى عنوانها البارز. .فمع قلة ذات اليد فإنَّ الحمد مُقيمٌ بين ثنايا كلامها.. مع ألفاظِ اليقين والرضى.. فقلت لنفسي.. هذا هو اليقين الذي لم يُقرأ في الكتب.. وهذا هو الرضى الفِطري الجِبلِّي… كم نشتكي نحن لأتفه الأسباب.. وهذه المرأة الحكيمة رغم ما يحيط بها.. إلا أنك تشمُّ رائحة الرضى من كلامها.. لا أخفيكم أنني كنت وأنا معها كأني في مدرسةٍ أو حلقة علم أتلقى الحكمة من فم الزمان.. كلاما عذبا لطيفا على السامعين.. ما أجملنا نحن المغاربة.. خصوصا إذا توشَّحنا بالرضى وتَغطَّينا باليقين.. تذكرتُ وأنا في مِحرابها قول الشاعر:
أولئك آبائي فجئني بمثلهم***إذا جمعتنا يا جرير المجامع…
كنت اصطنع أي سؤال حتى يطول الحديثُ معها.. فحديثها له وَقعٌ خاص.. استأذنتها في أخذ صورة معها.. فأذِنَتْ بأدب رفيع.. ونفسٍ فرحة.. وعند توديعي لها أمطرتني بِوَبْلٍ من دعواتها ومتمنياتها.. لا أخفيكم يا سادة أنها أثَّرت في كثيرا.. وتعلمتُ منها أشياء.. وأدركتُ حقًّا أن الحياة بمعناها الحقيقي هي الرضى والقناعة.. وأنَّ الذي يحمل بين جنبيه قلبا صافيا هو أسعدُ الناس وإن كان فَقيرا مُعدِما.. اللهم أدم سترك على المغرب والمغاربة وعلى كل المسلمين.. وأدم اللهم علينا نعمة الأمن والأمان..
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. محبكم وحافظ عهدكم وودكم عمر بن أحمد القزابري.