الشيخ عمر القزابري يكتب: رَمضَان.. رَبِيعُ الأرْوَاحْ…!

11 مايو 2019 15:02
الشيخ القزابري يكتب: الإِنْسَانُ وَالقُرْءَانْ..!

هوية بريس – الشيخ عمر القزابري

بسم الله الرحمان الرحيم.. والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين..

أحبابي الكرام:
منَّ اللهُ على عبادِه فمكَّنهُم مِن إِدراكِ ربيعِ الأرواح..حيثُ تصومُ الجوارحُ عنِ الأذى.. والمشاعرُ عن الهَوى.. يستقبلُه أهل الشوق والذوق.. بعد عامٍ قضوْهُ في جهادِ العيش.. ومُعترَك الحياة.. حيثُ تنزِل الهمم.. ويتكدَّرُ القلب.. فيأتي هذا الشهر المُطهِّر.. الذي يطهر نفوسهم بالعبادة.. ويُزوِّد قُلوبَهم بما يُقوِّيها على احتمال الفتن والمِحن في دنيا الآلام والآمال بقيَّةَ العامِ كله.. إذن فرمضان بهذا المعنى هو طهورٌ مِن رِجس العام.. وهدنةٌ في حرب القُوت.. وروحٌ في مادية الحياة.. فرمضان هو التمرين الرياضي السنوي للنفس.. يشتركُ فيه المسلمون في جميع أقطار الأرض.. يصومون في وقت واحد.. ويُفطرون في وقت واحد.. وينصرفون عن اللذات الحِسية والنفسية ليتجهوا بالتأمل والتعبد والخشوع إلى الله.. بُغيتُهم تحقيقُ العناصر الجوهرية لعقيدة الصوم..غضًّا للبصر.. وكفًّا للسان.. ومنعًا لليد عن البطش والأذى.. وصدًّا للأهواء.. وتطهيرا للقلب حتى يصبح ميدانا رحبا يَسعُ الجميع.. قد زالت عنه أكدار الحسد والحقد والضعينة والبغضاء..
لكنْ هُناك لمسةٌ حانية يُثيرُها رمضان في قلبِ الصائم بغايةِ الرِّفق.. وهي الاحساسُ بالأخوة.. هذه اللمسةُ أين اختفت..؟ أين تلاشت..؟

فرمضان هو رمضان.. والصَّوم هو الصَّوم.. ولكنَّ الاخوة ليست هي الاخوَّة.. ألا تشفع لنا وحدةُ التشريع.. ووحدة الصف في الصلاة خلف إمام واحد.. وغير ذلك من رموز الصيام ورسائِله.. ألا يوحي لنا كل ذلك بأن هناك مقصِدا أسمى.. وهدفا أعلى.. هو المرادُ من وراء هذا التشريع.. وهو المُوصِلُ إلى ثمرة هذا التشريع العظيم.. هذه الثمرة التي هي تحصيلُ التقوى.. ولكن هل هناك طريق إلى التقوى يمكن سلوكها بعيدا عن تحقيقِ الأخوة.. سترا للعيبْ.. وحفظا للغيبْ..
ويرحم الله سيدنا الامام الشاطبي يوم يقول:

وإِنْ كانَ خَرقٌ فَادَّركْه بِفَضلةٍ/ مِن الحِلمِ ولْيصلحْهُ مَنْ جَاد مِقْوَلا..
وقُلْ صَادقًا لوْلا الوِئامُ ورُوحُه/ لطاحَ الأنامُ الكُلُّ في الخُلْفِ والقِلا..
وعِش سالمًا صَدرا وعَن غِيبةٍ فَغِبْ/ تُحضَّر حِظَار القُدسِ أنقى مُغَسَّلَا..
لماذا أصبحنا نسارع في إظهار سوءات بعضنا.. لماذا نتهافت على الاطاحة ببعضنا..بل ونجد غاية الاستمتاع في ذلك.. أين هي تجليات الصيام التي هبَّت على الأوائل من هذه الأمة.. فجعلتهم جسدا واحدا.. وبناء مرصوصا عَصيًّا على كل معاولِ الهدم.. لماذا استحكم فينا النَّزقُ فأصبحنا خِفاف العقول.. لا نتحقق من خبر.. ولا نستيقنُ من مَنقُول.. أيُّ صوم سيثمر في ظلالِ الحقد والحسد.. فرمضان هو شهر تنزل القرءان (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) والقرءان نزل على القلب.. (نزل به الروح الأمين على قلبك) فإذا لم نطهر محل التنزل.. الذي هو القلب.. فلن يكونَ هناكَ أيُّ أثرٍ لا لقرءان.. ولا لصيام.. ولا لطاعة.. فالتخلية سبيل التحلية..
أحبابي: لقد كانَ صومُ الأكابِرِ من هذه الأمة عِصيانا للنفسِ في طاعة الله.. وحِرمانا للجِسم في مَبَرَّة الرُّوح.. ونكرانًا للذات في خِدمة النَّاس.. فالجوارحُ مغلولةٌ عن الأذى.. والمشاعرُ مكفوفةٌ عن الشهوة.. والخواطرُ مستغرقةٌ في الدعاء.. والجوارحُ مُستمتعةٌ بالذكرِ والثناء.. بين نهارٍ كله إحسان وتأمُّلٌ وتصدُّق.. وليلٍ كله قرءان وتبتُّل وتهجُّد.. فلا الغنيُّ يَهيجُ به البَطَر.. ولا القويُّ تُغْريهِ القُوَّة.. ولا الفقيرُ يتجهَّم له الحِرمان.. وكأنما زالتِ الفروقُ فأصبحوا سواسيةً يَرفلُون في نِعمة الدين وسعادة الدنيا.. فعلينا أن نسلك مَسلكهم. ونلزَم غَرْزَهُم.. حتى نذوقَ ما ذاقُوا.. مُستعينين بالله.. مُخلصين له التَّوجه.. سبحانه لا إله إلا هو…
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. محبكم وحافظ عهدكم وودكم عمر بن أحمد القزابري.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M