الشيخ عمر القزابري يكتب: نِدَاءُ المَحَبَّة…!
هوية بريس – الشيخ عمر القزابري
بسم الله الرحمن الرحيم.. والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين..أحبابي الكرام:
الدعوة مُلحّة في العودة إلى رياض المحبة..إذ لم يعد الواقع يحتملُ مزيدا من الشقاق والخلاف..ورفعِ عصا الطعن في أعراض الناس..ونشر عدوى التهارش والتصارع والمُناكفة..فإن الأمر أعجلُ من ذلك..وإن الكيان لا يبنى على بقايا الإنسان..وإنما يبنى على الإنسان الواعي المكتمل النضج..والعارف بعواقب الأمور. والمتبصر المدرك للحقائق..حقائق وجوده على هذه الأرض مُستخلفا فيها..من أجل عمارتها..ونشر قيم الخير فيها..والمساهمة البناءة في كل ما من شأنه رفع مستويات الفهم…
إن شهوة الصراع..وسعار الانتقام..وسلاح الطعن..سلاح من لا سلاح له..وإنما السلاح الحق هو سلاح العلم والحلم والصبر والأناة..وهذا الذي أشار إليه النموذج الأكمل..للإنسان الأمثل..والعبد الأنبل..سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله( ليس الشديد بالصرعة..إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) فاتساع صدرك..ودوام صبرك..وترفعك عن مجاراة السفهاء..ومماراة البلداء..دليل نضج منك..ودليل ربانيتك وانتمائك إلى قوافل عباد الرحمن الذين قال الله في حقهم مادحا( وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما )
أحبابي الكرام:
الذي عاينتُه أن في أعصاب وعروق الكثير منا عنفًا مختبئا، يتجلى في صورٍ كثيرة، منها السخرية، والاستخفاف بكل شيء، والرغبة العارمة في الغلبة، والانتصار للنفس، وبراعة الاعتذار عنها، ولو بالزيف، وبراعة اتهام الآخرين ولو بالكذب!
ثم الجدل الثرثار الذي لا غاية له إلا المراغمة والمعاندة، مع تلك الصور القبيحة المشتعلة سبابًا بالألفاظ الساقطة، والفرح بسقوط كل من لا يشبهني، ولذة الظفر بلقب “أنا الصح” ولو على أشلاء الآخرين، والتعامل بالاستعلاء والتقزز مع كل من تعثر فأذنب، والسعي في غلق أبواب الرحمة بين يديه!
والسعي بالقول والفعل والعمل في معنى القتل، معنويًا بكسر الروح، أو حقيقةً بذهابها!
وكل ما في ديننا ضد للعنف؛
فليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء!
وليس من خلقه إجلاس أخيه في غيبته واتخاذ لحمه وليمةً شهيةً للغيبة والنميمة!
وليس من صفاته الاستتار خلف النصوص الإلهية واتخاذها سلاحًا موظفا للانتصار للنفس وإسقاط الآخرين!
وليس من خِلاله طمس بهاء الآخرين بسوء الظن، وهدم حسناتهم بالقيل والقال!
“إن الله كره لكم قيل وقال”..
ولا يدخل الجنة قتَّات!
وكل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعِرضه!
والدم والمال والعرض وضعوا في سياقة واحدة في تغليظ الحرمة؛ زجرًا وتعظيما!
“فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل إني امرؤ صائم”!
فأسكت في النفس نازع الغلبة وزكى فيها رد السيئة بالحسنة!
والاعتذار عمن علم من حاله قصد الخير، “اللهم أنت عبدي وأنا ربك! أخطأ من شدة الفرح”!
وجعل التغافر والمرحمة عماد الحياة بين القلبين: ( وجعل بينكم مودة ورحمة).
ولا يفرك مؤمن مؤمنةً إن كره منها خلقا رضي منها آخر!
والمؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضًا، فيحمل القوي الضعيف، ويسع الغني الفقير، ويرحم العالم الجاهل بهدايته ودلالته على الخير بالرحمة والرفق. (ولا تعتدوا إنه لا يحب المعتدين).
الحمد لله على أن ربنا الله وأن نبينا محمد رسول الله ﷺ.
فهذه دعوةٌ تحملها مطايا الحُبّ،..وتحيط بها آمال التَّمثُّل..،فإن الدعواتِ لا تُثمِر إلا إذا استقبلتها قابليَّةُ الامتثال..،فكفى تطاحنا..وكفى من نهْشِ الأعراض..ولا نجعلْ من وسائل التواصلِ منابرَ للسِّباب..والخِصام..واللمز والغمز..فإن اسمها: وسائل التواصل..ونحن أرجعناها وسائل التقاطع..، فإنَّ هذا الذي نراه ونسمعه يسوءُ كل صادق …،فإنَّ الأخلاق هي أوكسجين الحياة…وبفقدانها يتلوث الهواء والماء ..ويفْسُد العيش..لقد شَقِيتْ دنيانا بهذه الألوان من نهش الأعراض..،وفُحشِ القول .. وترويعِ الآمنين…،ونشرِ الإشاعات…،فإن الله سبحانه وتعالى علمنا في سورة الحجرات كيف نتعامل مع الإشاعات( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) وقرئت: فتتبثوا…والمعنى: تثبت لتتبين، إن أخُوتَنا أساسُ قوتنا…،وإن القوة لا تُبنى على الاقتيات مِن الأعراض..وقرضها بمقراض التَّقوُّل..فلنتعايش تحتَ ظِلالِ الحُب..الذي دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم( ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا..ويعرف لعالمنا قدره ) ..،والأخطر أيها الأحباب…أن كلَّ كلمةٍ يتفوه بها الإنسان هنا..ستعرض عليه هناك..في موقف تشيب من هوله الوِلدان..قال تعالى( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) وقال سبحانه( إن السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا ) وقال صلى الله عليه وسلم( وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم) فالسعيد من أخرج نفسه من هذه الدوائر الملوثة..واشتغل بما ينفعه يوم لقاء الله..فإن الأيام تهدِمُ أعمارنا..،وإن الساعة آتية لا ريب فيها..وإن الله سيجمعنا ليوم لا ريب فيه..فطوبى للمُخِفِّين..الذين تخففوا من ذنوب العباد..،وارْتَوَوْا من حِياض الذِّكر..اولئك هم الفائزون….،
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..محبكم وحافظ عهدكم وودكم عمر بن أحمد القزابري