كتب الشيخ القارئ عمر القزابري تدوينة في صفحته على “فيسبوك” تحت عنوان: “عِنْدَمَا يُصْبِحُ المَعْرُوفُ مُنْكَرًا وَالْمُنْكَرُ مَعْرُوفَا“، وجه فيها نصيحة للمسؤولين عن إعلام المسلمين؛ تحدث فيها عن الحق والمعروف والمنكر في زمن يصاب فيه الناس بالحيرة، وهو زمن غربة الصالحين.
هاته الغربة حسب إمام مسجد الحسن الثاني رسخها الإعلام المأجور الذي لا يراعي القيم والمبادئ، بل يذبح الأخلاق بسيوف التغريب.
كما أكد الشيخ القزابري على أهمية الحاجة إلى الإعلام الذي يبني الكيان، ويؤسس الإنسان، ويهذِّب الأخلاق، وينشر الآداب، ويَحثُّ على الفضائل، ويَحُضُّ على المكارم، ويُعَلِّم الاعتدال،
وذكّر في آخر تدوينته بضرورة المحاسبة اتباعا للحق والهدى، واجتنابا لسبل الباطل وتزييف الحقائق ونشر الوهم، وذلك بالانتصار لقضايا الأمة وحب الله ورسوله ودينه، وحب الأوطان وإيقاظ العاطفة الدينية، لمواجهة العاصفة التغريبية،
وهذا النص الكامل للتدوينة:
“بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أحبابي الكرام:
الحقُّ هو الحق وإن حجبه الباطل بِخَيْلِهِ وَرَجْله، والمعروف هو المعروف وإن غطَّاه المنكر بزيفه، وإنَّ من علامات الساعة أن يصبح المعروف منكرا، والمنكر معروفا، والسنة بدعة، والبدعة سنة، عندها يصاب الناس بالحيرة، ويغشاهم الاضطراب، ويصبح منادي الحق فيهم صوتا نشازا، لأن الإلف والاعتياد يشلان التفكير ويعطلان الرؤية، وكلما ابتعد العبد عن المَعِين الصافي كلما تَعَذَّرَ عليه التوصيف وغَرِق في أوحال الاستمراء.
ومِن ثَمَّ فكلما تمادى العبد في الباطل انقلب في تصَوُّرِه إلى حق، فإذا ما اعْتُرِضَ عليه ثار وغضب وملأ الدنيا ضجيجا وعجيجا، وإِنّ عَالَمَ اليومِ قد أُصِيبَ بهذا الداء الوبيل، داءِ قَلْبِ الحقائق، ولقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى في حديث الغرباء،،، قال صلى الله عليه وسلم: (بدأ الدين غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء)، والغرباء هنا هم حَمَلَةُ حَقٍ في وَسَطٍ يَعُجُّ بالباطل، ولكن يَا سَعْد هؤلاء الغرباء ويا فرحهم ببشرى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم،، فطوبى للغرباء..
وَإِنَّ مِنْ أعظم من رسَّخ مسألة الغربة في زمننا، الإعلام المأجور، الذي لا يراعي القيم والمبادئ، الذي يذبح الأخلاق بسيوف التغريب، الذي يُمَكِّن للباطل ويُؤَصِّلُ للوهم، إعلام وَقِح يتعالى ويتجبر، ولا مكان عنده لكتاب ولا لسنة، بل ولا لمبادئ وأعراف، أربابه عبيدٌ وإن بَدَوْا في ثياب الأسياد، يَغْدُونَ إلى أسيادهم خِمَاصاً ويَرُوحُونَ بِطَانا ،ينشرون العُرْيَ والمُجونَ والرقص ومسلسلات الفساد والإفساد، فإذا ما نُصِحُوا أخذتهم العزة بالإثم، فأرعدوا وأزبدوا، وهددوا وتوعدوا، ولكنَّ الله غالبٌ على أمره، ناصِرٌ دينه، حافظٌ أولياءه، فيا ويل من أعرض عن مولاه، وحاربه وعانده، يا ويله وصَاحِبُ الأمر يقول: (إن الذين فتنوا المومنين والمومنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق).
ما أحْوَجنا إلى إعْلامً يبني الكيان، ويؤسس الإنسان، يهذِّب الأخلاق، ينشر الآداب، يَحثُّ على الفضائل، ويَحُضُّ على المكارم، يُعَلِّم الاعتدال، انطلاقا من سنة وسيرة سيد الرجال صلى الله عليه وسلم، يُحارِب التطرف، بنشر العلم وَبِحُسنِ التصرُّف، يشَجِّع على البحث العلمي، يُحفّز الهمم للعطاء، يربط المشاهدين بالثقافة الراشدة، يُرَوِّح عن القلوب، بما لا يتعارض مع سنة النبي المحبوب، لا يسْتَخِفُّ بعقول الناس.
أما الرقص والخَنا والمسلسلات المدبلجة والسهرات والتهريج فلن تُخْرِج إلا أجيالا فاشلة، لا يُعَوَّلُ عليها في بناء ولا إنماء، ولا يُنْتَظَرُ منها إبداع ولا إنشاء.
فيا أيها المسؤولون عن إعلام المسلمين، اتقوا الله تعالى فإن مسؤوليتكم عظيمة، اتقوا الله فإن إليه الرجعى، اتقوا الله فإن الساعة آتية لا ريب فيها، تذكروا أنكم ستقفون بين يدي الله وسيسألكم عن الصغير والكبير، والنقير والقطمير، حاسِبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وحاكموها قبل أن تُحَاكَمُوا في مَحْكمةٍ قاضيها الله، وشُهودُها الجوارح، فإن الأمة اليوم في أمسِّ الحاجة إليكم لتنصروا قضاياها، ولتوحدوا صفوفها، بالعلم والحكمة والحلم والوعي والاحترافية، لا بتحويل الناس إلى مُهَرِّجَةٍ وَمُتَفَرِّجة وَمُتَفرنِجة، رسِّخوا في الناس حبَّ ربهم سبحانه وتعالى، وحبَّ نبيهم صلى الله عليه وسلم، وحبَّ دينهم، وحبَّ أوطانهم، أيقظوا العاطفة الدينية، وأوقفوا العاصفة التغريبية (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله، ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون).
ويبقى الحَقُّ هو الحق، ويبقى أهلُ الحق هم أهل الحق، وسنَّةُ الله في هلاك محاربيه معروفة، وفي نصر أوليائه مألوفة، (ولن تجد لسنت الله تبديلا، ولن تجد لسنت الله تحويلا).
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، محبكم وحافظ عهدكم وودكم عمر بن أحمد القزابري”.