الشيخ مولود السريري يبرز مظاهر تأثير الإسلام في الأمة الأمازيغية (2)
هوية بريس – الشيخ مولود السريري حفظه الله
مظاهر تأثير الإسلام في الأمة الأمازيغية [2]
● المظهر الثاني: التكافل بين الناس – التكافل الاجتماعي -:
لقد سن العلماء وأهل الصلاح في هذا البلد سننًا أظهروا بها ما أوجبه الله – تعالى – من التعاضد، والتعاون في البر والتقوى، والتكافل بين المسلمين. والقبائل والجهات والنواحي قد تختلف في ذلك قوة وضعفًا، كما تختلف فيما يظهر فيه ذلك من أمور.
ففي بلاد جزولة سنت أمور في هذا الشأن، من ذلك: التعاون في الحصاد والدراس – وقديمًا في البناء – عند الحاجة.
فمن عجز من أهل البلد أن يحصد ما لديه من زرع وتخلف عن الناس في ذلك، إما لكثرة ما لديه، وإما لضعف في طاقته؛ يجتمع أهل البلد ذكرانًا، وإناثًا – الذكور في ناحية، والإناث في ناحية – على إعانته فيحصدون له ما بقي لديه، وهم يترنمون مكبين على العمل بجد، وهو يقوم بصنع الطعام لهم، لا يألوا جهدًا في ذلك، على قدر طاقته.
وأما الدراس فالأصل فيه التعاون والتناوب بين أهل البلد، يدرسون لهذا، ثم ينتقلون إلى ما لذاك وهكذا، حتى يتموا كل ما اجتمع من الزرع لديهم.
يطعمون عند صاحب الدولة (النوبة)، يطعمهم ويطعم كل من يحضر وقت الأكل؛ من إمام المسجد الذي يدعى، والذين يتعلمون في المسجد من الصبيان، ومن ساقته الأقدار إلى ذلك المكان.
ويجمعون التبن ويحملونه إلى بيت صاحبه على هذه الطريقة، النساء هن من يتولى هذا الأمر، وكذلك جمع الشعير، يجمعنه ويحملنه إلى محله في بيت صاحبه، لا يفترن عن الغناء وهن يعملن. وهكذا حتى يتقضى موسم الدراس، وتُحل أحزمة العمل التي شدت وربطت له.
ويجري هذا – أيضًا – في البناء، فالتعاون عليه أمر معمول في مواطن عدة، وقد وضعت لذلك لفظة تخص به وهو لفظة تِيوِيزِي، فإذا فرغ الناس من الأعمال الموسمية كالحصاد والحرث والدراس واستراحوا من ذلك، ورأوا أن لهم وقتا يستطيعون أن ينفقوه في عمل شيء مفيد اتفقوا على أن يتعاونوا على البناء، فيجتمعون على البناء لهذا، فيبنون له ما استطاعوا إلى بنائه سبيلا، ثم ينتقلون إلى غيره، وهكذا حتى يبنى لكل من شارك في هذا العمل الجماعي ما يبنى له، وغالبًا ما تكون الحصص بينهم على السواء.
ويجري مثل هذا في هدايا الأعراس، وسائر الأفراح، وعطايا الأتراح، وكل ذلك ملون بلون التكافل والتعاضد في أصله وأسسه، فإن بدا شيء من ذلك على خلاف هذا الأصل فإنه مرده إلى التغيير والتبديل الذي تؤول إليه الأشياء؛ ما لم تجدّد وترد إلى أصولها.
كما ترى هذا التكافل – أيضا – فيما يسمى “بالمعروف” وهو إطعام الطعام، وإقامة دعوة جفلى، فقد اعتاد الناس في كل مدشر وقرية في الأطلس الصغير أن يتخذوا لهم يومًا معلومًا محدّدا في كل سنة، يجتمعون فيه في المساجد ويصنعون الطعام ليأكل منه كل من حضر، ويعطون منه لمن لم يحضر إلى المسجد؛ كالنساء، والشيوخ، والعجائز نصيبا ليطعموا منه.
ويأتي أهل كل مدشر في يوم «معروفهم» من مهاجرهم من المدن؛ لحضور هذا الأمر، والمشاركة في الإنفاق فيه.
أساس هذا العمل هو التكافل الاجتماعي والتعاون بين الناس، وإطعام الطعام المطلوب فعله شرعًا، وما لحق هذا العمل من بدع وأمور منكرة وعقائد فاسدة؛ إنما هو من تحريفه وإخراجه عن أساسه وأصله الشرعي. فيلزم أن يرد كل ما وقع فيه انحراف عن الجادة إلى أصله، ومقصده، وحكمته.
يتبع …