الشيخ مولود السريري يبرز مظاهر تأثير الإسلام في الأمة الأمازيغية (6)
هوية بريس – الشيخ مولود السريري
مظاهر تأثير الإسلام في الأمة الأمازيغية [6]
* المظهر السادس: إنارة الوجدان:
في الحقيقة وواقع الأمر أن القلوب لا تسري فيها نسائم الراحة والطمأنينة حقيقة إلا بجريان معنی: لا إله إلا الله في أنحائها وحصوله فيها.
وبالدخول في الإسلام عن صدق وعلم يحصل في القلوب هذا المعنى، ويقر، وهذا مدرك بالحس والتجربة.
وهذا حكم عام لكل من دخل في هذا الدين على هذا الوصف، ومنهم الأمازيغ، وبذلك تحلت قلوبهم بهذا الأمر كل على قدر سعيه وعمله، والناس في الفضل والخير متفاوتون، فهم في ذلك على مراتب، وذلك العدل الإلهي {وأن ليس للإنسان إلَّا ما سعى} [النجم39].
والسمة الأغلب على الأمازيغ أن التعلق بهذا الدين أمر جار عليهم، وقد يكون أدناهم في هذا الأمر؛ هو من له به اتصال يسري على قلبه منه التقديس لهذا الدين واحترام أهله، وخلطهم الكلام بذكر اسم الله – تعالى – بصورة مؤثرة عجيبة في كل الآونة والأحوال يدلك على هذا.
فأنت لو تأملت شِعرهم تجد أنه يبدأ بالبسملة غالبا، كما يضم حِكمًا وحالات وجدانية روحية معبر عنها بالألفاظ، وذلك قبل هذا الفساد الأخلاقي، والعفن الفكري الطاغي اليوم.
وتوجد آلاف القصائد الأمازيغية التي أودع فيها الأمازيغيون مشاعرهم الدينية، وهي مشحونة بما يدل على انتشائهم بنفحات هذا الدين، كمثل سائر المؤمنين الذين هم على الفطرة، ثم خالطت بشاشة الإيمان قلوبهم، نعم لا توجد طائفة أو أمة ليس فيها أهل النفاق والانحراف على الإطلاق، وهذا غير مؤثر في هذا الحكم، لأن العبرة بما عليه الأغلب، أو الغالب.
كما أن الخرق بالمبالغة في الكلام لأمور عقدية في هذه القصائد أمر وارد، والمطلوب التصحيح لذلك، والتفقيه للناس في أمور دينهم، فإن الجهل هو ما أثمر هذه الزلات والأخطاء العقدية. والعذر بالجهل قد يكون له حظ هنا؛ إن كان ذلك صادرًا حقًّا عن الجهل المعتبر في إثبات العذر به.
خلاصة القول: أن هذه الإنارة والتنوير للوجدان من مظاهر التغيير الذي تلبس به هؤلاء القوم بدخولهم في الإسلام، فإن كان في ذلك شيء مما يجب أن يترك وهو يفعل، فإن ذلك من ضعف التربية والتصحيح لما يجب أن يصحح.
وقد كانت قلوب هؤلاء الناس لا سبيل لها إلى هذه النعمة قبل الإسلام على الإطلاق، لكنهم بهذا الدين ترقوا في مدارج ومقامات الأفاضل والمخبتين.
وبفضل هذه الإنارة اكتست أشعارهم – أيضًا – حلل الجمال الروحي، متزينة بمدح الأخلاق النبيلة والقلوب النقية، وأعمال الخير، وفضائل الأحوال.
وذلك كله توجه التوافق الذي بين علمهم الكسبي وعلمهم الحصولي الوجداني، مما أثمر لهم الطمأنينة والسعادة الروحية في الجملة، ومكّنهم من النظرة إلى الوجود نظرة روحية انتظمت فيها كل الموجودات تحت مجريات التدبير الإلهي المطلق.
يتبع …