الضجة المفتعلة حول أصول فاتح الأندلس طارق بن زياد
هوية بريس – منير خلوفي
هذه الضجة المفتعلة هذه الأيام حول أصول فاتح الأندلس طارق بن زياد = هي في رأيي نوعٌ من الشعبوية والغثائية، ليس إلا.
وذلك أن المسألة غير قابلة للحسم تاريخيا، ولا يستطيع أحدٌ أن يُقيمَ دليلا يفيد الظنّ فضلا عن القطع حول أصول طارق بن زياد، حيث أن المصادر التاريخية لا تكاد تحدّثنا بشيءٍ عن أحوال هذا القائد، ليس قبل الفتح فحسب، بل وبعده أيضا، فالمصادر التي بأيدينا تسدل حول مصيره ستارا مطبقا من الصمت، فلا نعرف شيئا عن أخباره بعد الفتح، ولا ندري أين مات، ولا متى، ولا كيف ؟!!!!.
والروايات حول أصوله مضطربةٌ، وهي في الجملة ترجع إلى ثلاثة آراء:
1- فمنهم من يزعم أنه فارسي من همذان، وأنه كان مولى لموسى بن نصير، وهذا رأي عميد مؤرخي الأندلس أحمد بن محمد بن موسى الرازي (ت 344هـ) فيما نقله المقّري وغيره.
2- ومنهم من جعله بربريا، وهذا رأي الأكثرين، لكن هؤلاء اختلفوا أيضا إلى أيّ قبيلٍ من البربر ترجع أصوله، فقيل: هو من زناتة، القبيلة البترية الكبيرة، وهو ما ذكره الإدريسي الجغرافي في كتابه “نزهة المشتاق”.
ومنهم من قال هو نفزي، من قبيلة “نفزة”، وهذا ما رجَّحَه ابن عِذاري المراكشي في كتابه “البيان المغرب”، حيث يسوق نسبا مفصّلا لطارق، وأنه: طارق بن زياد بن عبد الله بن ولغو بن ورفجوم بن يرغاسن بن ولهاص بن يطومت بن نفزاو.
3- وقيل: بل هو من أصلٍ عربي، وأنه لم يكن مولى لموسى بن نصير، وذكر المقّري في “نفح الطيب” أن بعض عقبه بالأندلس كانوا ينكرون ولاء موسى إنكارا شديدا.
ثم اختلف هؤلاء أيضا إلى أيّ قبيلٍ ينتسب من العرب، فقيل: هو ليثي من كنانة، وهو ما ذكره ابن خلدون في تاريخه، وقيل: هو من الصدف الحضارمة باليمن، وقيل غير هذا.
فالروايات حول أصول هذا القائد مضطربة جدا كما هو ظاهر.
هذا ويرى عالم الأندلسيات الأستاذ محمد عبد الله عنان رحمه الله أن نسبة طارق بن زياد للجنس البربري أكثر رجحانا، واستشهد على ذلك بما ذكره صاحب كتاب “الإمامة والسياسة” – المنسوب لابن قتيبة -، حيث قدَّمَ لنا وصفًا لطارق بن زياد، وأنه كان “رجلا طويلا أشقرَ، بعينيه حولٌ، وبيده شللٌ”، ومن المعلوم أن الجنس البربري تكثر فيهم الشقرة والطول.
وبالجملة.. فأيّا ما كانت أصول هذا القائد، فيكفي أنه أحد رجالات الإسلام وفاتحيه الكبار، الذين أبلوا بلاء عظيما في إعلاء كلمة الله، ونشر راية الإسلام، وانتسابه إلى هذا الجنس أو ذاك لا يتعلق به كبير فائدة، بل مجرد ترف فكري، لا غير.
هذا وبالله تعالى التوفيق.
صاحب كتاب أخبار مجموعة في فتح الاندلس، ذكر أنه فارس همداني، من قبائل همدان العربية، و ابن خالكان أيضا ذكر أنه عربي و غيرهم. لماذا لم تذكروا هذا؟