الضريبة على المساجد! ترديد الجهل تحت قناع “الحداثة”
هوية بريس – محمد زاوي
لا تنتهي شطحات “الحداثويين”، على إيقاعات مشاعرهم وأحاسيسهم الداخلية. لا ينظرون في الشرع كما هو عند أهله، ولا في التاريخ كما هو عند المؤرخين ومنظريه، ولا في البحث العلمي كما هو في المجتمعات الصناعية. عبده فيلالي الأنصاري واحد من هؤلاء، يعجبه أن يمني نفسه وغيره ب”طوبى الحداثة”، ويعجبه تفكيك الدين بالبحث في جذوره التاريخية، دون تمييز بين شارعٍ ومختبرٍ، ولا بين عامة وخاصة.
وفي هذا الإطار جاءت دعوة عبد الفيلالي الجديدة عبر موقع “هسبريس” إلى “فرض الضريبة على المساجد، عملا بمبدأ المساواة الضريبية”. متسائلا بعامية “دارجة” (فصّحناها احتراما لقراء العربية الفصحى): “لماذا لا تؤدي المساجد الضريبة؟ ولماذا تستثنى من قانون الضريبة؟”.
يا للإشكالية؟ إعفاء ضريبي تستفيد منه شركات أجنبية (أغلبها فرنسية)، طيلة الخمس سنوات الأولى (أو أقل أو أكثر)؛ وتهرب ضريبي يمارَس بطرق عديدة، تستفيد منه شركات أجنبية وأخرى وطنية؛ وعجز ضريبي في حاجة إلى إصلاح ضريبي، يفرَض على أصحاب رؤوس الأموال المستفيدين من فائض القيمة المتزايد… الخ؛ وكل ذلك لم يكن عبده الفيلالي لينتبه إليه، فانصرف عنه إلى المساجد.
ونحن نتساءل معه، بجملة أسئلة استنكارية:
– هل تنتج المساجد فائض قيمة لمسيريها؟!
– وهل تكفي مداخيل كراء محلات بعض هذه المساجد في صيانة مرافقها والعناية بأفرشتها وأثاثها وأداء أجور قيميها وأئمتها ومأموميها، في ظل هزالة الأجور الرسمية لهؤلاء جميعا؟!
– أليس نقاش عبده الفيلالي تزييفا لوعي المغاربة بالمسألة الضريبية، وتهريبا للنقاش عن مواطنه الحقيقية، تحت قناع أصبح يختبئ تحته الجميع، ألا وهو قناع “الحداثة”؟
ولتكتمل الفضيحة “النظرية” لعبده الفيلالي، وكذا افتقاره للوعي التاريخي والسياسي السديد، دعا إلى العودة لنظام “تمويل الجماعة للإمام، مسكنا ومؤونة”، في تجاهل تام منه لعدة تحولات يشهدها المجتمع المغربي، حيث:
– توسع عمراني حضري كبير، تداعى معه نظام “الجماعة” الخاص بالدواوير والقرى، والذي كان صالحا في المدن العتيقة أيضا، زمن التنظيم المحكم للحرف والصناعات التقليدية. وهو ما يجعل التكفل بالإمام من قبل “الجماعة” متعسرا، في عالم حضري كثرت اهتمامات وانشغالات وفضاءات أصحابه، وفي عالم قروي كثرت مصاريفه وقلت مداخيله، بفعل تجزؤ الملكيات واحتكار كبار المزارعين للسوق الفلاحية، وما يتعلق بقواعد هذه السوق على المستوى الوطني أيضا (مثل تأثير المضاربة).
– ربط الإمام بالدولة في مؤونته، دون إلغاء مبادرات “الجماعة” أو ساكنة الحي (عن طريق جمعيات لتسيير المساجد). وتلك سياسة مقصودة لغرض هو: توحيد الخطاب الديني لصالح الدولة والمجتمع. الأمر الذي بدأ العمل عليه منذ عام 2002 م، وهو ما يطلب بحثا تفصيليا وتفسيرا موضوعيا للحكم على مدى تاريخيتهونجاعته، من غير تسرع للإنكار، ولا تسرع للتصفيق الحار.
هكذا هي “الحداثوية”، يا سادة، ترديدٌ للجهل تحت أقنعة “الشعارات الكبرى”.
العيب والعار على المواقع والصفحات التي تنشر نعيق الغربان والمحامين.
يفثضحون يوما بعد يوم ولله الحمد لمن بقيت على عينه غشاوة..