الطالب الجامعي في ظل التراجع الفكري والثقافي
هوية بريس – عبد السلام مرابط
السبب وراء كتابة هذا المقال راجع إلى ما استنتجته من خلال ملاحظة طويلة وتحليل دقيقي لما آلت إليه ظروف وأوضاع الطلاب بالجامعات المغربية، خاصة الكليات ذات الاستقطاب المفتوح، حيث عرف مستواهم العلمي تدني خطير، وتراجع وزنهم الثقافي وحضورهم الاجتماعي والسياسي سواء داخل أسوار الجامعة أو في أماكن أخرى تستدعي حضور الطالب برأس مرفوع لفرض حضوره داخل المجتمع كأحد ركائز ورموز النخبة المثقفة.
حينما أقرأ مجلات العقود الماضية، سنوات التسعينات بالضبط، أجد فيها من حكايات طلاب الجامعات وإنجازاتهم العلمية والفكرية والثقافية ما يجعل الحنين ينتابني لأكون طالبا.
الطالب الذي ينتابني الحنين إليه ليس شخصا حصل على شهادة الثانوية وانتقل إلى الجامعة وبدأ حياة جديدة من العيش بمفرده أو رفقة الطلاب الآخرين بعيدا عن منازلهم وذويهم فحسب، وإنما أتحدث عن الوزن الثقافي، والفكري لطلاب الجامعات بين الأمس واليوم، فما أحوج زماننا الى طالب مثقل بالكتب، أينما حل وارتحل تجده يبحث بنهم شديد ويلتهم المعرفة بكل ما اوتي من قوة، دعنا لا نقتصر على عبارة ”مثقل بالكتب“ كي لا يعاتبنا قائل بقوله أن الطالب الجديد أيضا أصبح بإمكانه تلقي المعرفة أينما حل وارتحل عبر وسائل متعددة ومتجددة، ربما قد تكون خيرا من الكتب، فلا داعي لربط المعرفة بحجم الكتب التي ترافق الطالب، هنا سأقول أنني أوافقك الرأي، وأننا بحاجة إلى طالب مثقل بالمعرفة كيفما كان مصدرها، لأن ما يهم فعليا هو حجم المعرفة التي يكتسبها سواء في مجال تخصصه، أو في مجالات أخرى موازية ليست على حساب تخصصه، وأن استخدام لفظ الكتب جاء بشكل دلالي فقط لما تحمله الكتب من إشارة مباشرة إلى المعرفة، بالرغم من أن بعض الكتب الحديثة لا علاقة لها بالمعرفة الفكرية، لكنه موضوع مختلف قد يأتي الحديث عنه في سياق مختلف.
بالعودة إلى الأحزاب السياسية في زمن الطالب القديم، والمجلات الثقافية، والتيارات الفكرية، والحركات النضالية نجد أن بداية أغلبها كانت على يد طلاب الجامعات، وما مكنهم من تحقيق ذلك لم يكن هو الامتيازات التي يحصلون عليها عن طريق لقب ”الطالب“، إنما مكنهم من ذلك حجم حمولتهم الفكرية واهتمامهم بالقيام بنهضة فكرية وثقافية في مجتمعهم، إلى جانب تحملهم مسؤولية النخبة المثقفة التي ينتمون إليها، وهي التي تمنحهم جميع الصلاحيات للمشاركة في صناعة القرار، أما طلاب اليوم، فبالكاد تجدهم يحضرون محاضرات تخصصهم وهم محملين بأحزان وهموم، وكل حديثهم يدور حول الامتحان، باعتباره اليوم الموعود الذي يجهز له الجميع بأعباء من المعلومات، كأنهم دواب تحمل الأسفار نحو وجهة معلومة يلقونها فيها كي تستريح ظهورهم فحسب.
طالب اليوم يؤمن بمنطق قطعة الخبز، فيعتبر طلب العلم أو التحصيل الدراسي مجرد وسيلة لتحقيق حلم قطعة الخبز، هذا الحلم الذي جاء نتيجة الكثير من التحولات الاجتماعية والسياسية والفكرية التي تعرضت لها المجتمعات –خاصة العربية- في الآونة الأخيرة، بينما كان طالب الأمس يكد في طلب العلم لأنه في حد ذاته غاية يجب الحصول عليها كيفما كانت الظروف، فكلما تطورت وسائل التواصل أو وسائل التوصل بالمعلومة تجد مستوى الطالب في تدني معرفي خطير جدا، لأن هذه السهولة ما هي إلا من مسببات الخمول التي يتلقاها العقل البشري، خاصة مع تزايد موجة التشويش على الطلاب التي أصبحت تضعف وزن العلم والبحث والتطوير في مجال تخصص الطالب، بدعوى أن الجامعة أو المدرسة عامة هي مجرد مضيعة للوقت والبديل الحقيقي هو الإلتحاق بسرب الضاربين في المدرسة والمقللين من شأنها
سنتحدث بصدق ونقول أن الجامعات والمدارس اليوم بحاجة إلى وقفة تأمل لتغيير الكثير من الأمور التي ستضمن جودة التعليم، بدأ بالمناهج الدراسية وصولا إلى بنية تحتية تلائم متطلبات العصر، لكن أرى أن لذلك أهله ومن هم أولى بالحديث عن ذلك بشكل مفصل، ونحن هنا فقط نعطي إشارات ونعلن مشاركة لا مشروطة في هذا الطرح الداعي إلى التجديد، وليس مع الطرح الضارب في الجامعة في مجملها.
من جهة أخرى، أصبح لفظ الطالب يحيل على فئة من المراهقين الحاصلين على شهادة الثانوية حديثا وهم في دوامة من التيه والفشل بين الرغبة في الاستمرار في طلب العلم، ورحلة البحث عن الذات وتحقيق مطالب مادية، فالطالب قديما كان يعتبر رمز النخبة المثقفة التي تساهم أو لنقل أنها ساهمت في نهضة مجتمعات كثيرة في مختلف الأصعدة، أما اليوم فوزن هذه النخبة لم يعد يتجاوز اعتبارها فئة تلاحق الورقة (الشهادة الجامعية) ولا دخل لها في شؤون المجتمع، ولا تطرح سؤال المآلات التي سيؤول إليها هذا الأخير، فسقف تفكير طالب اليوم لا يتجاوز الحصول على قدر لا بأس به من المتعة، ولا يهتم بالمشاركة في بناء المجتمع لأنه في الأصل لا يدري أنه يملك سلطة النخبة المثقفة التي تمكنه من مد يده نحو صناعة القرار.
كلام في الصميم…كيف لشباب تغلغلت لعقله فكرة “قطعة الخبز” أن يحسن تقييم طلب العلم و المعرفة و يشد الهمة ليكون شخصا يتحدى عقبات طلب العلم.. فكما يقال “حيث يسود الجوع ليس للقوة مكان”
تحياتي ا سي عبد السلام