الطعن في السنة النبوية الشريفة بين مراكز الاستشراق وموائد الارتزاق
هوية بريس – د.عبد اللطيف راحل
الحمد لله وحده أما بعد:
اجْنَتْس جُولْدتْسِيهر (1850-1921م) مستشرق يهودي مجري عُرف بنقده للإسلام متأثراً في ذلك بيهوديته، وهو أحد رموز صناعة الشبهات حول الإسلام في صيغتها الحداثية المعاصرة، ومعدن لإنتاج الأوهام للتشكيك في السنة النبوية الشريفة ومرويات السيرة العطرة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، فبحوثه هي كعبة سدنة اللادينيين في زماننا التي يتطوفون عليها متعلقين بأهداب أستارها البالية، ومقالاته التي تدور في هذا الفلك هي كأس مدامتهم التي يترعون منها طافحة بالوساوس والشكوك الجدلية المحضة، مقالات وبحوث مجافية لمنهج النقد العلمي النزيه؛ إذ لم تكن الحقائق التاريخية والأدلة الصحيحة الصريحة هي مدار قبول الحق ورد الباطل عنده؛ بل كانت أوهامه الضالة وتخيلاته الفاسدة لبعض وقائع السيرة النبوية العطرة هي عمدته في ذلك، وكان استحسانه واستقباحه النفسي وما افترضه هواه كيهودي عمل في مراكز الاستشراق التي كانت ظهيرا للحملات الاستعمارية والتنصيرية المستهدفة للبلاد الإسلامية في زمنه هما قائداه في نقد ثاني أصل من أصول التشريع عند المسلمين كنوع من أنواع الغزو الفكري وتوطئة لشل وعيهم الثقافي.
ففي سنة (1889م) صدر لهذا المستشرق كتاباً باللغة الألمانية – عرب بعد ذلك – سماه «دراساتٌ محمدية» طُبع الجزء الأول منه في السنة نفسها وطبع الجزء الثاني سنة (1890م) وهو الجزء الأخطر، حيث جعل نصفه الأول مقدمةً لسلسلةٍ من الأبحاث أراد أن يُظهر من خلالها بأسلوبه التشكيكي الماكر أن القيمة الحقيقية للسنة النبوية ليست باعتبارها مصدراً تشريعياً، وإنما بما تكشِف عنه من ميولٍ وتيَّاراتٍ دفعت بأصحابها إلى اختلاق الأحاديث للسيطرة والسيادة روحيا وسياسيا.
والانصاف أن هذه الأبحاث ليست إنتاجا علميا نزيها يوثق به ويعتمد عليه، بل هي محض وحَرِ صدْر عدوٍّ يفترض في العقلاء أخذ الحيطة والحذر من وساوسه وتلبيساته فضلا عن المسلمين المؤمنين برسالة خاتم النبيين، فلا يليق بالمسلم الصادق في إيمانه أن يضطرب قلبه أو يضعف أمام شبهات مهلهلة متناقضة في نفسها مناقضة للواقع ولقواعد النقد العلمي النزيه الذي أرسى علماء الحديث المسلمون أسسه، وعلى الرغم من فجاجة تلك الشبه وتهافتها فقد تلقفها بعض المستَلَبين فكريا من المنبهرين بثقافة الغرب وفتنوا بها، ففي سنة (1906م) كتب الطبيب البيطري المصري توفيق صدقي بمجلة المنار مقالتين تحت عنوان «الإسلام هو القرآن وحده» طعن من خلالهما في حجية السنة، تلاه الكاتب أحمد أمين فأصدر سنة (1929م) كتابا سماه «فجر الإسلام» أفرد فيه فصلاً كاملاً للطعن في السنة النبوية شرَّق فيه وغرَّب، وثالثة الأثافي ما سوده محمود أبو رية في أضوائه وغيرها، والحقُّ أن مجازفات القوم مبنية على اللصوصية وسرقة أوهام المستشرق اليهودي وغيره وإن لم يصرحوا بنسبتها إليهم، ثم توالى المشككون في السنة المطهرة فتارة بالطعن في ثبوتها وأنها آحادٌ وليست متواترة، وتارةً أخرى باختلاق بعض القصص والروايات التي تُظهر صحيح الأحاديث بمظهر السطحية والسذاجة ومخالفة الواقع المحسوس، أو العقل الصريح، أو التجربة المسلَّمة، وتارةً بالطعن في حملتها الأولين ورواتها الأقدمين من الصحابة والتابعين، وكل هذه الدَّعاوى الجديدة القديمة تصدَّى لها ثلة من علماء الاسلام بما يفندها ويكشف عوارها في مصنفات حبروها تحبيرا؛ من أهمها كتاب الأنوار الكاشفة لما في كتاب أضواء على السنة من الزلل والتضليل والمجازفة للعلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي ط، دار عالم الفوائد.
وكتاب السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي للدكتور مصطفى حسني السباعي أرخ لمقدمته في عام (1949م) وطبع عدة طبعات وهو عمدة في هذا الباب بحيث تناول ما تعرضت له السنة من تشويه على أيدي الشيعة والخوارج، ثم المعتزلة والمتكلمين، وعرج على موقف المستشرقين؛ فذكر ثلاث عشرة شبهة من شبهات جولدتسيهر، وعقد فصلًا ردَّ فيه على أحمد أمين، كما أجهز على شبهات أبي رية بحيث يذكر الشبهة ويرد عليها بالتفصيل.
وكتاب حُجِّيَّة السنة ومصطلحات المحدثين وأعلامهم، لعبد العال محمد الجبري، ط مكتبة وهبة عام (1986م).
وكتاب مكانة السنة في التشريع الإسلامي، للدكتور محمد لقمان السلفي ط، دار الوعي للنشر والتوزيع عام (1999م).
وكتاب السنة تشريع لازم ودائم، للدكتور فتحي عبد الكريم، ط، مكتبة وهبة بالقاهرة عام (1985م).
وكتاب السنة مع القرآن للدكتور سيد أحمد رمضان المسير، ط دار الطباعة المحمدية عام (1983م).
وكتاب السنة مفتاح الجنة لخالد بن محمد على الحاج، ط القسطل بالزرقاء الأردن عام (1981م) .
وكتاب السنة النبوية: حجية وتدوينًا لملّا محمد صالح بن أحمد الغرسي،ط دار نور المكتبات عام (2002م) .
وكتاب السنة النبوية: حجيتها وتدوينها، لسيد عبد الماجد الغوري، ط، دار ابن كثير عام (2009م).
وكتاب ظاهرة رفض السنة وعدم الاحتجاج بها للدكتور صالح أحمد رضا، ط، جامعة محمد بن سعود الإسلامية عام (1993م).
وكتاب المدخل إلى السنة النبوية: بحوث في القضايا الأساسية عن السنة النبوية للدكتور عبد المهدي عبد القادر عبد الهادي، نشرته مكتبة الإيمان عام (2007م).
وغيرها كثير لعلماء أجلاء كانت ردودهم ترياقا أبطل سحر دجاجلة الاستشرق وأذنابهم وفك طلاسم تمائمهم، لكن وعلى حين غفلة من الصالحين خرج بعض المتسللين لواذا من متسكعة الارتزاق ممن يقتاتون على فضل فتات مراكز الاستشراق المعاصرة التي تعمل جاهدة تحت مسميات تمويهية مختلفة لإحياء ما اندرس من تلك الوساوس والشبهات في هالةٍ غير مسبوقة ومدد سخي مريب، شنشنة معروفة تولَّى كِبرَ الترويج لمخرجاتها شرذمة من الصحُفيين ورواد الفلكلور وخريجي قاعات الفن السابع والعلب الليلية؛ كائنات إعلامية موتورة تتخذ من الفضائيات سكنا، ومن رشاوى الذين يتبعون الشهوات متاعا إلى حين، ليس بينهم وبين المعرفة شجنة رحم، دافعهم سوء النية وفساد الطوية، يبتغون الشهرة عند المنحرفين والموتورين بلعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فهم الاشقياء يشقى بهم جليسهم، سيماهم الأمية الدينية فلا يعلمون الحق إلا قليلا وبقية دينهم يقتدون فيه بمن غلب وبزّ، وصدق الله العظيم إذ يقول: “سَأَصْرِفُ عَنْ ءَايَٰتِىَ ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِى ٱلْأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ ءَايَةٍۢ لَّا يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلْغَىِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَٰفِلِينَ” [الأعراف – 146].