«العدل والإحسان».. «البام».. و«حراك الشارع»
أحمد الشقيري الديني
هوية بريس – السبت 23 يناير 2016
يفصلنا عن ذكرى 20 فبراير شهر واحد، وثورة الياسمين تنبعث من تحت الرماد في تونس الشقيقة التي فجرت الربيع العربي، والشعارات هي نفسها التي رفعتها الشعوب العربية منذ خمس سنوات، مياه كثيرة جرت في المنطقة منذ ذلك الحين، سقطت أنظمة وانهارت دول وتحطمت مجتمعات ومعها تحطمت آمال ..وسكن الإرهاب قلوب العالم..
بقيت إشكالية الديمقراطية والتوزيع العادل للثروة وسؤال الكرامة العناوين الأبرز لغليان الشارع العربي.. في حين اختارت أنظمة المنطقة الهروب إلى الأمام بتشديد قبضتها الأمنية على المجتمع مع بعض الاستثناءات المحتشمة.
من هذه الاستثناءات ما عرفه المغرب من إصلاحات دستورية واقتصادية وسياسية لم تمس العمق إلا أنها تعتبر استثناء في المنطقة.
يسير المغرب بخطى بطيئة نحو الإصلاح، يقدم رجلا ويؤخر أخرى..
تعلق أمل المغاربة بحزب العدالة والتنمية الذي كان مقصيا من مربع الحكم، فلما حملته رياح الربيع العربي إلى الحكومة منذ خمس سنوات باشر أهم الإصلاحات الكبرى المتعلقة ببنية الاقتصاد الوطني من خلال إصلاح صناديق كانت مهددة بالإفلاس أو تهدد التوازنات الماكرو اقتصادية.
مثل هذه الإصلاحات لا تعرف عادة تجاوبا من الشعوب لأنها قاسية وتمس أحيانا المعيش اليومي للمواطن، فطفت إلى السطح إشكاليات اجتماعية ومطالب فئوية، وخرج المواطن المغربي محتجا على بعض سياسات الحكومة، وهذا أمر طبيعي في دولة تتمتع بقسط من الحرية والنضال الديمقراطي والحقوقي..
جماعة العدل والإحسان عادة ما تكون حاضرة في أي حراك يعرفه الشارع، فهي لا تحمل مشروع مجتمعي فحسب، بل تحمل مشروع دولة : دولة الخلافة على منهاج النبوة التي بشر بها الحديث النبوي..
روى الإمام أحمد عن النعمان بن بشير رضي الله عنه الله، قال: كنا جلوساً في المسجد فجاء أبو ثعلبة الخشني فقال: يا بشير بن سعد أتحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمراء؟
فقال حذيفة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا، فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت..).
وهذا ما يجعل الجماعة تشتغل خارج النسق الذي بناه النظام المغربي، وتستغل الفرص التي يتيحها الشارع من أجل إبراز قوتها وحضورها واستقوائها بالشارع لبعث رسائلها لمن يهمه الأمر.
قد تقطف الجماعة ثمرة نضالها شعبيا، لكن سياسيا غيرها من يقطف ثمرة نضالها.. كيف ذلك؟
المغاربة متشبثون بالنظام الملكي وغير مستعدين للمغامرة باستقرار بلدهم، والدولة تعرف كيف تقصي الجماعة عند ترتيب الإصلاحات الضرورية، وفي المقابل تتيح متنفسات لمن يشتغل من داخل النسق..
هذا ما حصل إبان حراك 20 فبراير الذي شكلت الجماعة عموده، وعرف النظام كيف يمتص الغضب الجماهيري، فقدم رزمة من الإصلاحات الدستورية والسياسية، وأتاح لحزب العدالة والتنمية الفرصة للمشاركة في انتخابات غير مطعون في مصداقيتها، فحصل على أزيد من 100 مقعد في البرلمان، وقاد أمينه العام الأستاذ عبد الإله بنكيران حكومة ائتلافية من أربعة أحزاب كادت أن تسقط في منتصف ولايتها لما خرج منها حزب الاستقلال، لكن مقاربة النظام المغربي مرة أخرى للأزمة كانت مخالفة لمقاربات الأنظمة الشمولية في المنطقة ، فملأ حزب الأحرار الفراغ الذي تركه الاستقلال واشتغلت الحكومة على الإصلاحات الكبرى كما ذكرنا، ونالت منظومة العدالة القسط الأوفر من جهد هذه الحكومة في شخص وزير العدل والحريات السيد مصطفى الرميد بتأييد واضح من جلالة الملك، كذلك بلى وزير الصحة السيد الوردي البلاء الحسن في مواجهة لوبيات الأدوية، ونالت عدة قطاعات وزارية حظها من الإصلاح وأخرى استعصت على الإصلاح بسبب وجود جيوب مقاومة شرسة..
جاء جواب المغاربة يوم 4 شتنبر واضحا في الانتخابات الجماعية، من خلال تأييد مسار الإصلاحات التي باشرتها الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية، حيث أعطت كل المدن الكبرى ومعظم المدن المتوسطة لهذا الحزب، ما أذهل كل المراقبين في الداخل والخارج، وقد أقسم رئيس الحكومة عدة مرات أنه لولا ضمانة الملك بأن تجرى الانتخابات في أجواء من النزاهة والشفافية لما رأى المغاربة ما يعكس اختيارهم على الواقع.
حزب الأصالة والمعاصرة استطاع بطرق ملتوية/ديمقراطية أن يتحكم في خمس جهات من أغنى جهات المملكة، منها جهة الدار البيضاء الكبرى، من أصل 12 جهة بالمملكة، وأن يحتل المرتبة الأولى من حيث عدد الجماعات التي حصل عليها، ويترأس مجلس المستشارين..
والتاريخ يعيد نفسه، فالحراك الذي يعرفه الشارع المغربي اليوم، خصوصا في قضية الأساتذة المتدربين، الذي سيقطف ثمرته هو حزب الأصالة والمعاصرة في الاستحقاقات المقبلة.. أما قضية الأساتذة المتدربين فقد أمست ورقة تلعب بها قوى سياسية ونقابية، بعضها له حساباته مع الحكومة والحزب الذي يقودها، وبعضها له حساباته مع النظام، ذلك أن هذه المعركة النضالية بدأت خاطئة في أسلوبها، فالمقاطعة سيف ذو حدين..
نحن اليوم بين يدي المؤتمر الثالث لهذا الحزب الذي يعرف الجميع كيف جاء ومن كان وراءه وكيف استقوى بأدوات الدولة ليتمدد في الخريطة السياسية المغربية على حساب أحزاب وطنية وأخرى إدارية أصابها الترهل، وكيف كان يتدخل رجله القوي إلياس العماري في الشؤون الداخلية لتلك الأحزاب فيرفع هذا ويسقط ذاك بشهادة قياديين من تلك الأحزاب، وهذا ما سماه حزب العدالة والتنمية بآلية “التحكم” وقام في وجهه، لأن التحكم هو الوجه الآخر للاستبداد.
حزب البام، مطالب في مؤتمره اليوم، أن يحدد مرجعيته وموقعه، وعلى الخصوص طرق اشتغاله وتدخله في شؤون الأحزاب الأخرى، وربما في القضاء، ونحن أمام واقعة لها دلالتها في هذا السياق*.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* قضت محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش، مؤخرا، بعودة خمسة مستشارين جماعيين من حزب الأصالة والمعاصرة بمدينة القليعة إلى مقاعدهم داخل المجلس الجماعي للمدينة، وذلك بعد قبول الطعن الذي تقدموا به ضد الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية لأكادير، والذي جردهم من عضوية المجلس بتاريخ 17 شتنبر الماضي، وكان الاستقلاليون قد تقدموا بطعن بعد تسجيل أداء مرشح من حزب الأصالة والمعاصرة صلاة الجمعة بأحد المساجد بحي العزيب وهو يرتدي قميصا أبيض وقبعة يحملان صورة الجرار، ثم انتقل بعد الصلاة إلى باب المسجد، حيث شرع في توزيع المنشورات، وهو ما قام الاستقلاليون بتوثيقه بواسطة مفوض قضائي عاين الحالة.
وقد اقتنعت هيئة القضاء بالأدلة التي قدمها الاستقلاليون، لتصدر الحكم في الجلسة الثالثة بعد تأجيل الأولى والاستماع للدفوعات في الثانية، حيث قضى الحكم الابتدائي بإلغاء المقاعد وتوزيع الأصوات على الأحزاب المتبقية، ويتعلق الأمر بكل من العدالة والتنمية وحزب جبهة القوى الديمقراطية وحزب التقدم والاشتراكية، وهي الأحزاب الثلاثة المكونة للتحالف الذي يسير المدينة، وحزب الاستقلال الذي فضل البقاء في المعارضة.
وبعد استئناف الحكم ارتأت هيئة القضاء بمحكمة الاستئناف الإدارية بعد ثلاث جلسات الحسم في الموضوع وإعادة مستشاري البام إلى عضوية المجلس.
لو تعلق الأمر بالبيجيدي لكان الحكم مختلف..
لقد سبق أن أسقطت صورة صغيرة لصومعة في أوراق الحملة الانتخابية ببرلماني من حزب العدالة والتنمية بدائرة من دوائر مراكش، هو البرلماني المتصدق..