“العقيدة الأشعرية” على منبر الجمعة.. تحصين للثوابت؟ أم تأجيج للفتن؟

هوية بريس – ذ.ادريس ادريسي
من المسلمات البدهية أن نؤكد على أن العقيدة الأشعرية- وإن كانت ثابتا من الثوابت الدينية – ليست محل إجماع بين العلماء، بل لطالما تسبب النقاش حولها في الكثير من المشاحنات والخصومات بينهم وبالأخص في صفوف طلبة العلم والشباب المتحمس منهم؛
فكيف -والحالة هذه- أن يسعى مهندسو خطة تسديد التبليغ إلى الانتصار لرأي دون آخر ولطائفة دون أخرى، من خلال منبر الجمعة؛ الذي من المفترض فيه أن يكون ملكا للأمة كلها لا لطائفة معينة ، وأن يسعى إلى تقليل الاختلاف لا إلى تعميقه، وإلى وأد الفتنة لا إلى تأجيجها، وهم على علم تام بأن جماعة من رواد المسجد تحتفظ برأي مخالف وأحيانا جد متشدد من العقيدة الأشعرية غير الذي يؤمنون به؛
قبل توحيد الخطبة، كان معظم الخطباء يقدمون خطبا في العقيدة؛ يلقى معظمها قبولا بين الناس أو على الأقل تمر هذه الخطب دون فتنة، أما أهل الصنعة منهم فقد كانت دروس العقيدة في خطبهم تمر في جو إيماني يسوده الخشوع والطمأنينة من غير أن يشعر رواد المساجد بالمذهب العقدي للخطباء، وكان من المفترض من خطة تسديد التبليغ أن تسعى إلى تجويد الأداء وتحسينه، صيانة للمنبر من خطاب التحريض والكراهية، لكن العكس تماما هو الذي حدث، فبالإضافة لما تحدثه الخطب الموحدة من فتن بين الناس منذ انطلاقتها إلى يومنا هذا، فإن الخطب التي تهتم بالعقيدة الأشعرية تخلف ردود أفعال غاضبة وانتقادات حادة وواسعة أكثر من غيرها، ليس في صفوف الشباب وطلبة العلم الذين على خلاف مع المذهب الأشعري فحسب، بل في صفوف معظم رواد المسجد الذين يرون المصطلح غريبا عنهم ودخيلا على خطبهم، حتى إن بعضهم يتساءل هل الأمر يتعلق بدين جديد!؟ والذنب في ذلك ليس ذنبهم، وإنما ذنب من يخاطبهم بخطاب فوق إدراك عقولهم، ورضي الله عن الصحابي الجليل عبد الله ابن مسعود إذ يقول: “ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم، إلا كان لبعضهم فتنة”؛
من هنا نتساءل: هل عجز السادة العلماء على التمييز بين ما يجب أن يقدم للأئمة والخطباء من دروس في الثوابت الدينية والوطنية في فضاءاتها العلمية والتعليمية الخاصة بها؟ وبين ما يجب أن يقدم لرواد المسجد من خطب ومواعظ تركز على ما هو تربوي بعيدا عن كل ما من شأنه أن يثير الفتن بين أبناء المجتمع الواحد؟ أم أن الخطاب في ذلك موجه إلى طائفة معينة لطالما نالها ما نالها من التحريض والأذى من المسؤول الأول عن الخطاب الديني في بلدنا الحبيب؛ الذي أبى إلا أن يقحم المنبر في صراعه مع خصومه؟
وإذا كان الأمر مقصودا حقا -كما تؤكد على ذلك كل القرائن- فإننا نتساءل أيضا: هل الانشغال بالرد على هذه الطائفة أنسى علماءنا الكرام ما تتعرض له الثوابت الدينية والوطنية من هجوم على مدار السنة تجاوز فيه أصحابه كل الخطوط الحمراء بل وصل الأمر في ذلك إلى المس بالذات الإلهية، ومع ذلك لم نسمع من حماة الثوابت وفي مقدمتها العقيدة الأشعرية ولا كلمة واحدة في الرد على هؤلاء!!؟؟



