العلاقة داخل البيت المسلم

23 أكتوبر 2025 17:56

العلاقة داخل البيت المسلم

هوية بريس – إبراهيم الناية

لعل طرح هذا الموضوع للمساءلة والنقاش يثير أمورا عديدة نظرا لما يعانيه الناس في واقع الحياة من تمزق والتباس المفاهيم والتصورات، ولذلك كان لزاما مقاربة هذا الموضوع لعلنا نزيل بعض الغبش ونوضح المسائل التي يعتريها الغموض .ومنذ البداية أريد أن أؤكد،: أنني سأتناول بناء البيت المسلم أو الأسرة المسلمة كما وردت في النصوص الإسلامية خاصة القرآن والسنة ،وليس الحديث عن ما يسود الواقع أو يحصل في الأسر الليبرالية، ولأهمية البيت في صناعة الإنسان فقد تحرك الاستعمار ودعاة التغريب في اتجاهين: الأول :تحطيم الأخلاق والقيم والثاني : تدمير الأسرة فالأسرة هي النواة الأولى للمجتمع وعندما ينالها التفكك، فإن المجتمع لم يعد مصانا من مخالب الأعداء. ولخطورة موضوع الأسرة أو البيت نظرا لأنه هو الحاضنة التي تنشأ فيها الأنفس والعقول ،فإن الإسلام أولى عناية كبرى لتأسيس البيت على مبادئ وقيم راسخة لا تقبل المناورة أو الجدل .وكل تفريط في ذلك البناء سينعكس سلبا على المجتمع، فسلامة المجتمع تبدأ من سلامة البيت، ولا يمكن للإنسان أن يكون عمله سالما إذا لم يكن بيته سليما. ولكن كيف يمكن الحديث عن بناء البيت المسلم وسط واقع مضطرب تسوده التناقضات الفكرية والمذاهب اليديولوجية ،وكل اتجاه يطرح مشروعه ورؤيته ويعتبرها تمثل الحق الذي لا مجمجة فيه؟ أي: كيف يمكن بناء البيت المسلم في واقع أصبح يتبنى كثيرا من الأفكار والتصورات البعيدة كل البعد عن الرؤية الإسلامية للكون والحياة والإنسان ؟وهنا اختلطت الأمور عند كثير من الناس لأنهم لم يستطيعوا مقاومة السيل الجارف للرؤية الغربية للأمور، وقد يرجع الغبش عند هؤلاء إلى الجهل بحقيقة الدين أولا ،وعدم معرفة فقه البيت المسلم ثانيا، والانكسار أمام ضغط الحياة المادية ثالثا، وقد وضعت اتجاهات منحرفة استتراتيجية خطيرة لتدمير الأسرة والقضاء على مفهوم النوع الإنساني. ولذلك لا ينبغي التعامل في تحديد مفهوم البيت المسلم انطلاقا من رؤية العقل الغربي الذي له منطلقاته ورؤيته التي تختلف عن الرؤية الإسلامية في المنطلقات والمبادئ. وهذا هو الخلط الذي وقع فيه الكثير من الناس، فالرؤية الإسلامية لها منطلقاتها وتصوراتها وخصوصيتها وهي واضحة ومنسجمة فيما بينها ولا ينبغي فهم أي عنصر من عناصرها بمعزل عن بقية العناصر الأخرى لأنها مترابطة ومن ثم لا ينبغي أخذ عنصر واحد من تلك الرؤية ومناقشته ومحاكمته بمعزل عن بقية العناصر ومن خلال رؤية أخرى تختلف في منطلقاتها عن الرؤية الإسلامية. ولكن ماذا نعني بالبيت المسلم؟ وما هي شروط نجاحه؟ وهل البيت المسلم تأسس من أجل الإنتاج البيولوجي فقط؟ أي تكثير سواد البشر؟ أم أن البيت المسلم هو مشروع جاء لخدمة قضية أساسية في حياة الإنسان؟ أي ما الهدف من إنشاء البيت المسلم؟ وما هي المبادئ التي يقوم عليها هذا البيت؟ ثم ما هي مواصفات البيت المسلم؟ ثم كيف يبدأ البيت المسلم في التكون؟ وفي الأخير كيف تتحدد العلاقة بين الأزواج داخل البيت المسلم؟ وقبل الإجابة عن هذه الأسئلة نريد أن نؤكد: أولا يؤسس الإسلام كل توجيهاته على العقيدة والتربية ويصون كل ذلك بالتشريع والنظام، وكل تشريعات الإسلام تتلاءم وطبيعة الإنسان التي خلقه الله عليها وهذه الطبيعة مبنية على التوازن والانضباط وغير قابلة للفوضى والتسيب .ثانيا: ينشأ البيت المسلم عن زواج شرعي مكتمل الأركان، فالزواج في الإسلام مسؤولية والتزام بنظام خاص يجمع بين ذكر وأنثى وفق إطار محكم لا لبس فيه مضبوط القواعد ومحدد الأحكام. ولذلك فالزواج في الإسلام ميثاق غليظ ومن شدته أن يرث أحد الزوجين الآخر بعد الوفاة ، وأحكام البيت المسلم في الإسلام متكاملة ولا يمكن تبعيضها أو تجزئتها ليختار الإنسان منها ما يريد ويترك ما لا يريد ،فأحكام البيت المسلم متماسكة ومترابطة ولا يعذر أي طرف بجهلها فالعلم بها واجب شرعي لكي لا يقع الإنسان في الممنوع.
ثالثا: إن الذي يشرع للبيت المسلم أو للأسرة المسلمة هو الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم وليس الرجل هو الذي يشرع للمرأة أو المرأة هي التي تشرع للرجل، وإنما الله سبحانه هو الذي ينظم بتشريعاته حياة الأسرة وحركتها ومن ثم إن مسألة التشريع منزوعة من الرجل والمرأة وهما إنما يقومان بالتنفيذ. رابعا: ومن الأمور التي يتعين الإلمام بها واستعابها على الوجه الأكمل هو الحقوق الزوجية :حقوق الزوج على زوجته وحقوق الزوجة على زوجها والحقوق المشتركة بينهما كما نصت عليها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة وقد فصل الشرع في ذلك تفصيلا حتى لا يترك فجوة لتدخل الأهواء، فبنت أحمد بن حنبل ومعها بقية الصالحات: عندما أرادت تتزوج سألت أباها عن حقوق الزوج على زوجته وحقوق الزوجة على زوجها ،ولذلك الإحاطة والعلم بشؤون الحياة الزوجية أمر ضروري ومؤكد حتى يستقيم أمر البيت المسلم ،والقاعدة العامة تقول 🙁 لا يحل لامرء مسلمين أن يقدم على أمر ما حتى يعلم حكم الله فيه) وللأسف إن كثيرا من المقبلين على الزواج يجهلون هذا الأمر وهو مسألة أساسية يتعين الإلمام بها لكي ينجح الزواج ويكمل المسير. نعم ليس كل البيوت قائمة على الحقوق ولكن ينبغي أن يعرف كل طرف ما له وما عليه لكي لا يطالب بشيء ليس من حقه المطالبة به . خامسا وهناك ملاحظة: أنني أتحدث عن ما ينبغي أن يكون وأحدد المفاهيم ولا أسقط صفة الإسلام عن أحد. ونعود إلى سؤالنا الأول ماذا نعني بالبيت المسلم ؟ هل البيت المسلم هو كل بيت يمارس أهله بعض الشعائر التعبدية من صلاة وصوم وصدقة؟ أم أن البيت المسلم لا بد أن تتوفر فيه شروط أساسية حتى ينال هذا الاسم المميز ؟ فالبيت المسلم هو الذي يبنى أساسا على تقوى الله وعبادته ،ويخضع في حركة سيره للرؤية الإسلامية ولضوابطها الشرعية ،وان العلاقة بين عناصره ينبغي أن تتم وتسير وفق ما أراده الله من تشريعات وقوانين ،وليس البيت المسلم هو أن يمارس أصحابه فقط بعض الشعائر التعبدية ولكن رؤيتهم للحياة وسلوكاتهم ومعاملاتهم وطرق تفكيرهم لا علاقة لها بمنهج الله . ولذلك الأسرة المسلمة هي التي يتحكم الله بقوانينه في حركة سيرها من الداخل أي ما هي القوانين التي تنظم حركة الأسرة وبناءها هل هي الضوابط الشرعية الإسلامية أم القوانين التي وضعها عقل الإنسان وهواه؟ وعليه إن الذي يشرع للأسرة المسلمة هو الله سبحانه وتعالى ومن ثم جاء البيت المسلم ليحقق عبودية الله في عالم الواقع ولذلك كان لقاء أصحاب هذا البيت على هذا الأساس. وأريد أن أقول أن البيت المسلم ليس بيتاً ملائكياً خالياً من الأخطاء أو لا بد أن تتوفر فيه جميع صفات المتقين والصالحين، ولذلك لا نستغرب من بعض الاحتكاكات التي قد تحدث في البيت المسلم أثناء حالات الضعف من بعض الأطراف شريطة أن لا يتحول ذلك إلى سلوك اعتيادي (حالة أمنا عائشة عندما كسرت الإناء) ورغم ذلك ينبغي الرجوع إلى الشرع والاحتكام إليه من أجل تصويب الخطأ ومناقشته بهدوء وكتمه وعدم إفشائه، لأن إفشاء أسرار البيت من الخطايا العظيمة. لكن ما الغاية والهدف من إنشاء البيت المسلم؟ قد يجيب البعض أن الهدف من إنشاء البيت المسلم هو تكثير السواد المسلمين. ويجيب البعض الآخر: بناء النواة الأولى للمجتمع المسلم المتماسك وتقديم صورة تطبيقية للمجتمع الذي ينوي الناس بناءه. ويجيب البعض من الناس أن الغاية من إنشاء البيت المسلم هو العفاف والطهارة وصيانة الإنسان لكي لا يقع في المعاصي والرذائل ومن أجل الاستقرار والتوازن في حياة الإنسان لأن الغريزة الجنسية هي من الدوافع الأساسية إلى الانحراف. هذه إجابات كلها صحيحة ولكن ليست نهائية فالهدف من بناء البيت المسلم هو تحقيق العبودية لله وطاعته وامتثال أوامره في كل شأن من شؤون نظام حياة البيت ليلمس الناس تجسيد الطاعة لله في تجمع صغير أولا ليكون المقدمة للمجتمع الأكبر. وعليه فإن تحقيق العبودية لله وطاعته وامتثال أوامره في كل شيء من نظام الحياة هو هدف أساسي من أهداف البيت المسلم.
وعندما ينتفي هذا الشرط ولم تعود الأمور تسير وفق منهج الله وانتفت طاعته فلا داعي للاستمرار (فإن خافا ألا يقيما حدود الله…) وعليه إن هدف بناء البيت المسلم هو أن يكون صاحب مشروع يخدم قضية تتجلى في تحقيق رسالة السماء. وإذا لم يكن كذلك فهو بمثابة فندق يحتوي على غرف ومطبخ وحمام وقاعة الأكل. ومن ثم فالبيت المسلم ليس تجمعا بشريا للأكل والشرب والإنتاج البيولوجي وتحقيق الحياة المادية، وإن كانت هذه الأمور موجودة في الإسلام ولكن ليست هي الهدف. ولذلك إن البيت المسلم بيت يعيش الإسلام في واقع حياته ويجعل حياته موظفة لخدمة الإسلام، فخدمة المشروع والقضية مسألة أساسية بل هي الهم الأكبر لكي لا تنحرف البوصلة عن تحقيق الهدف ويسقط البيت في تفاهات الحياة، فإذا كان أحد طرفي البيت يحمل هم الآخرة والآخر يحمل هم الدنيا فإن الأمر لا يستقيم ،ولذلك لا بد أن يكون الزوجان لهما نفس الهدف وللعلم في التصور الإسلامي لا تناقض بين الدنيا والآخرة إذا كانت الدنيا تخدم الآخرة. ثم ما هي المبادئ التي يقوم عليها البيت المسلم ؟ أولا :أول مبدئ يقوم البيت المسلم على أساسه هو الاحتكام الى شرع الله في كل تفاصيل الحياة، فالله سبحانه هو الذي له القول الفصل في كل شؤون حياة البيت وما يقوم به الزوجان ما هو إلا عبادة للخالق وطاعة له وتنفيذ أوامره واستحضار رقابته. ثانيا :يقوم البيت المسلم على مبدأ أن الإسلام جاء لتحرير الإنسان من الظلم والعبودية، ولذلك إن هذا المبدأ يعم العلاقة بين الزوج والزوجة . ثالثا : يقوم البيت المسلم على مبدأ تماسك الأسرة وترابطها فلا وجود للصراع بين الرجل والمرأة داخل البيت المسلم لأن الله تعالى تولى ضبط العملية ولأن حياة الزوجين قامت على أساس الانسجام الفكري بين الزوج والزوجة لأنهما يفكران داخل المنظومة المرجعية الواحدة وهي شرع الله ،ولأن الزوجين التقيا أصلا لخدمة المشروع والقضية.
 رابعا :يقوم البيت المسلم على مبدأ الصدق والأمانة والعفاف والطهارة والثقة الناشئة عن الخوف من الله سبحانه واستحضار رقابته ولذلك يتميز بالسكينة والطمأنينة والهدوء لأن وجوده نتيجة مباشرة من نتائج العقيدة التي تدعو إلى الرحمة والرفق والإحسان والإكرام، ومن أراد أن يحسن إلى أحد فعليه أن يحسن إلى أقرب الناس إليه فكيف بأناس اختلطت دماؤهم في ذرية تسير على الأرض ومن ثم انتفت الهيمنة من طرف على آخر، ولكن السؤال العريض الذي ينتظره الكثير: كيف يبدأ البيت المسلم في التكون أو كيف ينشأ البيت المسلم ؟وما هي أسباب نجاحه ؟وكيف تتحدد العلاقة بين الزوج والزوجة داخل البيت المسلم ؟ إنما تتمناه أية انثى مسلمة أن يرزقها الله زوجا صالحا يعاملها بما يحب الله ويرضاه ويكون سبيلا لها إلى طريق الجنة وهو نفس الإحساس الذي يكون لدى الذكر أن يكرمه الله بزوجة صالحة تكون له عونا وسندا في أمور الدنيا والآخرة ولكن من أراد زوجة مستقيمة وصالحة فعليه أن يكون أولا مستقيما وصالحا ومن أرادت زوجا عابدا محبا لله فعليها أن تكون عابدة لا تبتغي في هذه الدنيا إلا مرضات الله سبحانه ولذلك إن البداية في هذا الباب تكون من الشخص ذاته ذكرا كان أو أنثى فعلى الإنسان أن يكون مخلصا لله أولا. ومن هذا الإخلاص يبحث عن من يشاركه نفس الإخلاص: عقيدة وفكرا وسلوكا وأخلاقا. ومن هنا ينطلق البحث والاختيار. والإسلام وضع الأساس العقائدي والفكري لمفهوم الاختيار فكيف يتم الاختيار ؟أي ما هو المنطق الذي يتحكم في اختيار الأزواج في المفهوم الإسلامي؟
 فمن ناحية الزوج ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه ….) وفي الآية (وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ).
 ومن ناحية الزوجة( وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنُ وَلَآمَتة الْمُؤْمِنَةُ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) وفي الحديث( فَاظفرْ بِذَاتِ الدِّينِ ترِبَتْ يَدَاكَ).
 لكن ما معنى ترضون دينه وخلقه؟ هل هو الشخص الذي يتمظهر بمظاهر التدين ويرتاد المساجد؟ أم أن الأمر يتعلق بالسلوك والمعاملة وبالممارسة الأخلاقية لأن المعاملة هي التي تقربنا من حقيقة الشخص سيما أن على ولي أمر الأنثى أن يختار لها المكان الصالح والمناسب التي تكون فيه عابدة لله ،فكم من رجل وامرأة يصليان ويصومان ولكن سلوكهما وطريقتهما في التفكير ونظرتهم للحياة غير إسلامية.
 ومن جهة أخرى ما هي ذات الدين التي تكون المنبة للعابدين والتي تربي أبنائها على مسلك الطريق إلى الجنة ؟ هل ذات الدين هي المرأة التي تصلي وتلبس بعض في ثياب الحياء ولا أقول الحجاب لأن الحجاب له مضمون فكر وقلبي أم أن ذات الدين هي التي تستحضر رقابة الخالق في كل تفاصيل حياتها ومن ثم إن السلوك والممارسة والمحتوى المعرفي وطرق التفكير هي التي تحدد حقيقة الشخص. ومن المعلوم أن الزوجة تلعب دورا أساسيا في تحقيق طموح البيت المسلم لأنها هي الركيزة الأساسية التي يقوم عليها البناء ولذلك صلاحها وعفتها وطموحها هو الذي يحرك الأمور نحو تحقيق الهدف.
 إن ذات الدين هي المرأة المسلمة التي آمنت بالمشروع والقضية التي خلق الله السماوات والأرض من أجلها وهي تحقيق عبودية الله ولذلك كان امتحان المهاجرات لأن تقول إحداهن ما خرجت إلا حبا لله ورسوله ومن ثم نجد من المسلمات من اشترطت على الخاطب الدخول في الإسلام ويكون صداقها إسلامه. إذن يتعين أن يكون هناك انسجام فكري وأخلاقي بين الزوجين لكي يستقيم أمر البيت المسلم خاصة أن تربية الأطفال تقتضي وحدة قناة التوجيه ولا يمكن للتربية أن تتم إذا كان هناك تناقض بين توجهات الأب والأم، وهذا الأمر يعد من نجاحات البيت المسلم بالإضافة إلى وحدة الهدف والإلمام بالأحكام الشرعية والانضباط وفق ما أراده الله، فوحدة الهدف أمر أساسي ولذلك إن من علامة المرأة الصالحة أنها لا تريد إلا الآخرة، فالمرأة التي يكون هدفها في الحياة هو البعد المادي لا تصلح ولا تساعد في قيام ونشأة البيت المسلم وعليه لا يمكن استقامة أمر البيت المسلم إذا كانت الزوجة لها ميولات مادية فقط وتريد رغد العيش وليس لها اهتمامات باليوم الآخر ولا تشاطر زوجها البعد الأخروي في الحياة وهذا لا يعني أنه لا ينبغي أن تعيش الزوجة الحياة الكريمة، ولكن لا ينبغي أن يكون همها الأساسي في الحياة هو خدمة الدنيا ،وكنموذج على هذا الأمر عندما طالب نساء الرسول صلى الله عليه وسلم بتغيير المعيشة بعد أن تحسنت الظروف فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخير نساءه بين الرضا بهذه المعيشة التي هن عليها أو الطلاق( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدنَا الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَّتِعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سرَاحًا جَمِيلًا وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدنَا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجرا عَظِيمًا) وانطلاقا مما تقدم: كيف حدد الإسلام العلاقة بين الزوج والزوجة داخل البيت المسلم؟.
 إن هذه العلاقة ينبغي أن تكون نموذجا وقدوة لما يكون عليه المجتمع ،فالزوجة هي أولا أخته في العقيدة وزوجته وأم الولد تجمعها رابطة الإسلام وعلاقة الزواج، فالإحترام والود لازم بنص الشرع (خيركم خيركم لأهله) ( والنساء شقائق الرجال…) (لا يكرمهن إلا كريم ولا يغلبهن إلا لئيم).
 وقد ورد في خطبة حجة الوداء (أوصيكم بالنساء خيرا ) وكم من زوجة مات عنها زوجها وما تذكرت يوما لفظة قالها في حقها لا تليق. ولذلك إن العلاقة الطيبة والرزينة بين الزوج والزوجة لها تأثير واضح وجلي على تربية الأبناء واستقامتهم ،فالأم التي تعامل زوجها بالحسىنى تساعد على نجاح بناتها في حياتهم الزوجية لأنها تقدم لهم النموذج والقدوة. ولكن هذه المحبة بين الأزواج داخل البيت المسلم ينبغي أن تكون متبادلة ولا يمكن أن تكون من جانب واحد، فالبيت محل السكينة والاستقرار النفسي ومن ثم تلعب الزوجة دورا أساسيا في توفير الأجواء الهادئة والصافية لكي ينعم البيت بالطمأنينة والهدوء (ومن آيته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ). وانطلاقا من علاقة المحبة والصفاء فعلى الزوج أن يصون زوجته لكي لا تقع في النار وهو نفس الدور الذي يتعين عليها القيام به كما على الزوج أن يحمي بيته من الغرباء والمندسين الذين يسعون على الدوام اختراقه وتدميره من الداخل، وما أكثر المتربصين بالبيت المسلم لأنهم يعرفون ما يقوم به في بناء المجتمع ونفس المهمة ينبغي أن تقوم بها الزوجة من أجل المحافظة على البيت واستقراره فمسؤولية استمرار الحياة الزوجية ونجاحها مكفولة بالدور الذي يقوم به الطرفان ولا يمكن أن يتحمل المسؤولية طرف واحد ومنهنا لم يترك الإسلام الأمر مطلوقا على عواهنه بل شرع ودون التفاصيل نظرا لحجم المخاطر التي تحدث ولكي لا تنزلق البوصلة عن الهدف الحقيقي الذي نشأ من أجله البيت المسلم وهو تحقيق العبودية لله سبحانه، وإذا لم يكن البيت المسلم قائما على تحقيق هذا الهدف فلا داعي لاستمراره .
ومع ذلك عندما لا يتم الاستمرار فإن الله أوصى (ولا تنسوا الفضل بينكم) وعليه فالإسلام أوجب الإلمام بالأحكام الشرعية المتعلقة بالبيت المسلم بكل تفاصيلها من حيث الحقوق والواجبات لأن حياة الإنسان كلها جزئيات وهي مؤطرة بأحكام الشرع، فالزوج عليه أن يعرف واجباته وعلى الزوجة أن تعلم ما لها وما عليها.وهو أمر أساسي وأكيد من أجل صفاء الحياة الزوجية فمثلا لا تخرج الزوجة من بيت زوجها ولا تأذن إلا بإذنه وهذا بنص الحديث الصحيح وهو أمر لا يعد تجنيا على الزوجة بل هو في مصلحتها أساسا إن كانت الزوجة تريد رضى الخالق وقد نظم الإسلام هذه الأمور لكي لايقع الاحتكاك من عدم وجود تشريع ينظم العلاقات الزوجية .والمرأة المسلمة لا تجد في نفسها حرجا في ذلك لأن الذي وضع هذه المسائل هو الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم سيما أن الدين الإسلامي غرس روح المحبة في نفسية أتباعه ولم يغرس فيهم عقلية الكراهية فكل إحسان يقوم به أحد الأطراف من أجل الآخر فهو عبادة ومأجور عليها من قبل رب العالمين وفي المجمل إن الحياة الزوجية في البيت المسلم قائمة على الاستشارة ولكن هناك فرق بين الاستشارة والإخبار، فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بحلق رؤوسهم في السنة التي منعهم المشركون من الدخول إلى مكة لأداء مناسك العمرة استثقل ذلك الصحابة ولم يحلقوا رؤوسهم فجاء الرسول صلى الله عليه وسلم إلى إحدى أمهات المؤمنين فأخبرها بالأمر فأشارت إليه أن يحلق رأسه فيتبعه الناس وانتهى المشكل ،وكما يقال يتدخل الشيطان في التفاصيل ولذلك لم يترك الإسلام مسألة في الحياة الزوجية إلا حدد مسارها نظرا لحساسية وخطورة الموقف فكلف الإسلام الزوج بالنفقة على الزوجة في كل ما تقتضيه حياتها كما أمره بالعناية بها ورعايتها وتقديم النصح وكل ما تحتاجه من دعم ومساندة كالتعليم وبقية الخدمات، فالزوج خادم للبيت مكلف بخدمته ومراقب له كما هو الشأن بالنسبة للزوجة فهي ناصحة ومسؤولة أخلاقيا عن بيتها وموفرة شروط الراحة وحسن التدبير كما مر معنا سابقا فالإسلام ضبط حركة السير داخل البيت وأسس كل توجيهاته على العقيدة والتربية ويصون كل ذلك بالتشريع والنظام والانضباط ومحاربة الفوضى والتسيب ولا يمكن للبيت المسلم أن يستمر بدون ضوابط وتحديد المسؤوليات وهكذا فالزواج أصلا مسؤولية والتزام ،ولا يمكن أن تستمر الحياة في إطار الغوغاء ولذلك طرح الإسلام مسألة القوامة فماذا نعني بالقوامة؟ وما علاقتها بالطاعة ؟وماذا نعني بطاعة الزوج لزوجها؟ وهل الطاعة مقيدة أم مطلقة؟ وقبل الجواب نريد أن نؤكد ان الذي قال الرجال قوامون على النساء هو الله سبحانه ولو قال الله سبحانه النساء قوامات على الرجال لقال الذكور المسلمون سمعا وطاعة لأن الله قالها .
ثانيا إن الرجل في الغرب يرفض أن تكون له القوامة لأنه يرفض تبعاتها وما تقتضيه من أتعاب
ثالثا: إن القوامة نظام للحياة فكل تجمع بشري قل أو كثر لا يمكن أن يستقيم أمره اذا كانت الأمور متروكة على عواهنها ،فكل التجمعات البشرية لا بد لها من رأس يتخذ القرار بعد المشاورات والاستشارات .
رابعا إن القوامة لا تعني النقص من شأن أو قيمة أحد خاصة إذا علمنا أن البيت المسلم قائم على الشورى والاستشارة فالزوج ليس عبدا والزوجة ليست خادمة، كما أن أول حق من حقوق الزوجة على زوجها هي المعاملة بالحسىنى حتى إذا لم يحبها عليه أن لا يظلمها وهذا الأمر ينطبق على الطرفين.
 خامسا إن القوامة تكليف وليست تشريف فالزوج خادم للبيت وناصح ومربي كالزوجة ومسؤول عن النفقة وكل ما يتعلق بشؤون البيت ،والذين يحاربون القوامة انما يريدون أن تعم الفوضى وينتشر التسيب وتصبح الأمور خارج نطاق الضبط كما هو الشأن في الأسرة الغربية وما يمارسه مجتمعاتنا الحالية لا يمت بصلة إلى القوامة بمفهومها القرآني فإذا كان هناك تمرد فهو نتيجة التأثر بالفكر الغربي وإن كان الظلم والقهر فهو نتيجة عادات موروثة عن مجتمعات الجهل والتخلف وضاع الحق بين هذا وذاك.
 خامسا إن الله أمر الزوجة أن تطيع زوجها ولكن ماذا نعني بالطاعة فالطاعة مقيدة وليست مطلقة ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) فالزوجة تطيع زوجها لأن الله أمرها بذلك ولكن في كل الأمور الموافقة والمنسجمة مع الشرع ،وللأسف كم من زوج وزوجة يصليان ويصومان ولكنهما لا يفكران بطريقة إسلامية ولا يلتزمان في سلوكهما بمقتضى الشرع.
 وفي الأخير إن المبدأ الذي أسس عليه الإسلام كل تشريعاته وتنظيماته ومعاملاته هو استحضار رقابة الخالق في كل شيء. وليعلم الذكور والإناث أن الشطر الأخير من حياتهم لن يكون على ظهر هذه الأرض بل سيكون أمام محكمة قاضيها هو الله.
آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
10°
19°
السبت
19°
أحد
19°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة