العلامة الفايد و”إسلام عبسلام”
هوية بريس – علي الرباج
قال الله تعالى” ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق”
حين أرسل سيدنا علي رضي الله عنه أبا موسى الأشعري لمحاورة الخوارج أوصاه وصية غالية، فقال له:
“جادل بالسنة ولا تجادلهم بالقرآن، فالقرآن حمال أوجه”
وهكذا صدق سيدنا علي، فوجدنا الخوارج يقاتلونه ويستبيحون دمه الكريم، والعجيب أنهم يتقربون إلى الله بحربه، وهكذا حتى وصل بهم الأمر لتدبير اغتياله وهو يهم بالصلاة رضي الله عنه.
وعلى مر العصور خرجت فرق إسلامية عديدة يستحيل حصرها، وكل يدعي الفهم الصحيح للإسلام، ولو أن منها من جاء بما لم يأتي بها الأوائل، فمنهم من قال بخلق القرآن كمعتزلة ومنهم من لم يقل بالأعمال كالمرجئة، وآخرون عطلوا صفات الله كالجهمية أصحاب جهم بن صفوان وهلم جرا.
ومع أن رجال السنة والجماعة لم يدخروا جهدا في مبارزة هؤلاء ودحر أفكارهم بالحجة والمنطق، إلا أن هذه الأفكار استمرت وليومنا هذا، وهكذا وجدنا شخصيات عربية تخرج علينا في كل مرة بقول عجب.
– الشحرورية أنموذجا
الشحرورية نسبة إلى السوري محمد الشحرور، الذي هو أحد الشخصيات التي أثارت وما زالت تثير النقاش بآرائها العجيبة حول الإسلام حتى بعد وفاته.
يدندن الشحرور بداية حول مسألة أساس هي عصب فكر كل من تلاه، وهي مسألة “الإسلام المعاصر”، ولهذا تجد كتبهم كلها تحمل كلمة حداثة أو معاصرة، والمقصود بالقراءة المعاصرة للقرآن حسب الشحرور ومن لف لفيفه، الاستغناء عن قول العلماء السابقين، وتدبر القرآن من جديد، للخروج بمنهج يتماشى ومنجزات الحداثة.
وهم بذلك يرفضون السنة النبوية ابتداءً، فكل ما قام به الرسول صلى الله عليه وسلم لا يهم، وحتى تشريعاته لا تخصنا، بل هي تشريعات تخصه وحده وتخصه كنبي وحسب، فالشحرور يميز بين النبي والرسول، ويضع بينهما فوارق يستدل عليها عقليا كما يقول.
إذا قرأت أحد كتبه الرجل فإنك ستقف ولا بد على آراء شاذة ويضرب بعضها بعضا بطريقة هزلية، ففي جانب يرفض السنة لأنها نقلت عن الناس، مع أن القرآن كذلك وصلنا بالنقل رجلا عن رجل، فإنك رفضت السنة لتواترها فالأولى أن ترفض القرآن.
سيقول القائل “القرآن محفوظ بنص الآية”، نقول إن اتباع منطق شحرور وشلته يشككنا في هذه الآيات بل وفي القرآن جملة وتفصيلا، وهذا هو ما يؤول إليه كل من خطى خطاه.
فالنكرانيون (ينكرون السنة) أو القرآنيون كما يطلقون على أنفسهم، هم أقرب الناس إلى الإلحاد، فمن إنكار السنة طريقك آمن إلى الإلحاد.
والذي يسهل عليك ذلك، هو كونهم لا يكفرون الملحدين ولا يرون أن مصيرهم النار، وقد فاجئني الأمر، ولو أني لم أسمعه منهم لما صدقته، ودليلهم أن الله قال “إلا من أتى الله بقلب سليم” وإلى ما هنالك من آيات يفسرونها بهواهم، حتى يصل بهم الأمر إلى أن يعتقدون أن رجلا ينفي وجود الله سيدخله الله الجنة، فهل بعد هذا حمق!
– الفايد وبيضة الديك
محمد الفايد الرجل المتخصص في التغذية والذي لطالما استفاد المغاربة من نصائحه، لم يكن يتوقع أحد من العالمين أنه نكراني.
قبل مدة خرج الرجل بتصريحات شاذة حول الإسلام مع أن تخصصه التغذية، وهذا الأمر يتكرر كثيراً، فتجد الرجل بعيد عن تخصص الفقه الإسلامي يتحدث بكل جسارة في أمهات المسائل؛ وذلك لما يجد هؤلاء في أنفسهم من هوان لدين الله، فلو عظموه ما استهانوا به وتنططوا على ما لا يفقهون.
والشحرور كذلك ليس بعالم دين ولا فقيه بل مهندس، وشتان بين المجالين، فبينهما بعد المشرقين، ولكن كما قلنا هي لازمة كل من ادعى في دين الله ما لم ينول به سلطانا.
يعتقد الفايد في قرارة نفسه أن علم التغذية صعب على غير المتخصص فتجده ينتفد هذا وذاك، وهذا أمر منطقي وعلمي بحت، فلكل تخصصه، وكما قال ابن حجر العسقلاني رحمه “من تكلم بغير فنه أتى بالعجائب”.
لكن الفايد الذي يرفض تطال الناس على أكل الزبيب وترك السكر والدقيق الأبيض، لا يتكر بابا من أبواب الفقه إلى اقتحمه، ويغوص في مسائل حيرت الأوائل، وهو بذلك يقف في وجه من يسميهم “الكهنوت”، وليس الكهنوت سوى مصطلح ينتزعه الفايد انتزاعا من سياقه الأوربي ليلصقه في لوحة تاريخ الفقه الإسلامي، ولكم أن تتخيلوا اللوحة وبشاعتها.
والفايد هنا يتبه الشحرور وكل نكراني حذو النعل بالنعل، بل الملحدين كذلك، فهم جميعا يلتقون في القول بأن العلماء سبب تخلف المسلمين.
فالفايد ير أن المسلمين إنما تخلفوا لأنهم اتبعوا الشيوخ والفقهاء، لا لأن الفساد عم المجتمع وبدل المسلمون دينهم واتبعوا الدنيا، ويجهل أن طبقة العلماء كان لها دور حاسم في بناء الحضارة الإسلامية، بوقوفهم في وجه المستبدين دون خوف، وضربهم على يد كل من يحاول النيل من مدخرات المسلمين، أو أن يستبد برأيه عليهم، وإن المجال لو كان يسمح لتحدثنا عن مواقف لعلماء المسلمين وقفوا في وجه الاستبداد، ومن أشهرهم، وقفة الإمام سعيد بن جبير في وجه الحجاج ومحنة الإمام أحمد بن حنبل الشهيرة مع المأمون والمعتزلة.
والشيء بالشيء يذكر، فهؤلاء المعتزلة الذين عذبوا الإمام أحمد والمسلمين وحاولوا تغيير الإسلام، نادوا باستخدام العقل، ولهذا تجد كل من يعتقد بالعقل وحده يمجد المعتزلة ويرى أن محاربتهم كانت خطأ وأنهم كانوا يحملون الخير والسلام، مع أنه لو قرأ تاريخهم الدموي وكتاباتهم التكفرية لم نكس على عقبيه.
يستطيع الفايد أن يبهر الناس بخرجاته، فهذه هي البداية فقط، والأيام القادمة ستفضح فكر الرجل بجلاء، وخاصة لما سينتهي إلى الصلوات فيقول كما يقول النكراني بأن صلاتنا ليس صحيحة وأن القرآن فيها صلاتان لا أكثر ولا أقل، الظهر والعشاء.
كما ويعتقد النكرانيون بأن الخمر حلال وليس في القرآن ما يحرمه، والزنا عند الشحرور ليس هو ما نعرفه الآن، إلى غير ذلك، مما سيذهل المغاربة إن سمعوه.
وربما سيطرق فيما بعد للقول بأن تشريعات الرسول صلى الله عليه وسلم ليس مهمة وأن علينا ألا نتبع قوله وفعله، وعلينا الاجتهاد بالرأي، فكل ورأيه وكل واجتهاده، وما تراه صوابا أراه خطأ والعكس صحيح.
إن الأدهي في الفايد وشلته، هو أنهم مطية للملحدين وأعداء الإسلام، فمع نشرهم لهذه الأفكار، يشككون ضعاف العقول في دينهم، فيخرجونهم من نور اليقين إلى ظلمات الشك، حتى ينتهوا إلى الكفر التام، وهذا شاهدناه وعرفناه، وليس بتقول، فالفايد يخدم من حيث لا يدري مشروع الملحدين، ولهذا ستجدهم يدافعون عنهم بكل استماتة، وألم تسمع أن عصيد قد نوه به!
وإذا أردت أن تقيسك قربك من الله واتباع نبيه فانظر إلى رأي العلمانيين والملحدين فيك، فإن كانوا لك كارهين فالزم ما أنت عليه، وأما إن رأيت أنهم يحبونك فاعلم أنك على شفا حفرة من النار.
– الفايد وإسلام عبسلام
في أمستردام قضى الشاب عبدالسلام، الذي نناديه “عبسم” باللهجة الجبلية أو “عبسلام” بما هو متعارف عليه في مدينة تطوان، سنين من عمره، وهذا الصيف سيعود إلى المغرب مرة أخرى؛ وحين يقرر ذلك؛ يقترح على أحد الشبان الهولنديين مرافقته، وهكذا يحل فتى الأراضي المنخفضة بالمغرب لأول مرة، ويعود عبدالسلام لمسقط رأسه.
بعد أن يقضي الشابان ما شاء الله أن يقضيا في المغرب؛ وقبل أن يعودا أدراجهما؛ يطلب الصديق الهولندي من عبدالسلام طلباً لم يكن ليخطر على بال الأخير؛ فقد أعجب الفتى الأشقر أزرق العينين بأخت عبدالسلام، رغم أنه لم يرها إلا الهوينة ولم يكلمها إلا دقائق معدودة، فلا تجمع بينهما لا مائدة الطعام ولا جلسة الشاي؛ فتقاليد المنطقة واضحة وجلوس النسوة، خاصة غير المتزوجات، أمام الضيوف غير أخلاقي وليس من الدين في شيء؛ وهذا معروف في معظم بلاد الإسلام مع وجود بعض الاستثناءات طبعاً. رغم هذا يصر الشاب على أن يتزوج الفتاة؛ وحين يستشعر عبدالسلام جديته؛ يوافق ولكن على أن يسأل أباها أولاً ويطلبها منه؛ والذي عليه أن ينتظر رد الفتاة طبعاً؛ فلا زواج في الإسلام دون موافقة الفتاة.
كان أبو عبدالسلام رجلاً متديناً على حق، فوافق على الزواج بعد موافقة الفتاة؛ ولكن بشرط واحد أساس؛ أن يُسلم الفتى الهولندي، وهذا شرط مهم كما هو معروف للجميع. وهنا نصل إلى الهدف الأساس من هذه القصة، فلم اشترط أبو الفتاة الإسلام على الفتى الهولندي، سأله الأخير: “واش الإسلام دعبسلام”، ربما سأله بالهولندية وعبسلام يترجم أو ربما تعلم العربية/الدارجة؛ لا يهمنا المهم أن سؤاله واضح مختصر؛ فكان جواب الأب: “نعم الإسلام د عبسلام”. فوافق الفتى من فوره دون أدنى تفكير؛ الأمر الذي تعجب منه الكل إلا عبد السلام، فلماذا وافق الفتى بهذه السرعة؛ ما السر وراء ذلك؟
الذي جعل الفتى يوافق بهذه السرعة على الشرط؛ معرفته القديمة وصداقته المتينة بعبدالسلام، وشرط كهذا ليس بشرط أصلاً، فإذا كان الإسلام هو ما يفعله عبدالسلام فالفتى الهولندي مسلم مسبقاً؛ وذاك أن عبدالسلام كبعض المغاربة والمسلمين -قديماً وحديثاً- نسوا دينهم وتعلقوا بالحياة وألفوا حياة المجون والعربدة. فلا يمر اليوم على عبدالسلام والصديق الهولندي دون الذهاب لنادي الرقص الليلي؛ ولا يعرف الفتى عن عبدالسلام سوى أنه سكُير وماجن ولا يعرف القِبلة أين هي بالضبط؛ ولم يسمعه وهو يتحدث عن الإسلام إلا نادراً ولا يراه يصلي إلا في بعض الأحيان؛ التي يشفق فيها عبدالسلام على نفسه.
اتفق الطرفان على الشرط، سَعد الكل ما عدا عبدالسلام، همس في أذن صاحبه طالباً منه أن يتبعه إلى السطح؛ هناك ألقى على أسماع صديقه خبراً أعتقد أنه سيقلب الأحداث وربما تسبب في ما لا يرجو، ولكنه قرر أن يخبر صديقه ويبعد عن نفسه وجع الضمير الذي قد يلازمه مدة طويلة، فحكى له حقيقة الإسلام، وعن كونه ديناً يحرم كل الموبقات والرذائل من الزنا وشرب الخمر والقمار، التي يفعلانها معاً، ويفرض على الناس خمس صلوات والصوم والحج والحجاب للنساء.. إلخ، وكخلاصة أفهمه أن الإسلام الذي يعرفه أو” إسلام عبسلام” ليس هو الإسلام الحقيقي.
هذا ما يدعوا إليه كل من الفايد والشحرور والحداثيين، دين لا نعرفه ويعرفه عبسلام.
– نهاية الكلام
الفايد ليس سوى نموذج لمرحلة “التمحيص” الربانية القائمة، ففي زمننا هذا ومع الفتن انكشفت عورة الكثير ممن كنا نظنهم على صلاح، وأظهروا مع تقلب الزمن حقيقتهم، والقادم كل هكذا، فالله تعالى يختار عباده الصالحين ويعزل عنهم الغثاء لقوله تعالى:
“ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب “.