العلامة مصطفى بنحمزة يبرز المفهوم الواسع للتربية الاسلامية
هوية بريس-متابعة
يقول العلامة مصطفى بنحمزة “حين يجري الحديث بيننا عن التربية الإسلامية فإنه يجب أن نستعيد منذ البدء أن المراد بالتربية الإسلامية هو مادة ضمن برنامج،أو فصل ضمن كتاب،أو عنوان كتاب جديد يضم إلى رفوف المكتبة المدرسية و الجامعية، أو أنها حصة تقتطع من الزمن الدراسي و يفسح لها حيز زماني لا لتُشكَّل بها عقليات تفكر بالإسلام،و إنما ليتزين بها المنهج الدراسي و لترضى بها نزعة روحية تَقنَع بالإشراف على الحياة من بعيد”.
ويضيف رئيس المجلس العلمي المحلي بوجدة “إن الأوفق ألا نتعامل أفرادا و جماعات مع التربية إلا من زاوية أشمل مفاهيمها و أوسعها،فهي قد أصبحت تعني التنمية الشاملة للإنسان،بما في ذلك تنمية ملكاته و مواهبه و علاقاته المادية و العقلية و الروحية ليتمكن هذا الإسان من التكيف مع ذاته و مع مجتمعه و مع محيطه الخارجي”.
و أخذا بهذا المفهوم الشامل فقد تنازلت وزارات كانت تُدعى وزارات التعليم عن تسميتها و صارت تتسمى بوزارات التربية على اعتبار أن التعليم ليس إلا وسيلة من وسائل التربية و أداة من أدواتها.
إن التربية الإسلامية التي نعني هي أكبر من الحجم الذي يحاول بعض الناس أن يحجمها فيها استغفالا للمتدينين،إنها ليست مادة مخصوصة تدعى مادة التربية الإسلامية،و إنما هي أسلوب في البناء و نمط في تكوين و تشكيل و توجيه الإنسان. و قد كانت هذه التربية حاضرة فاعلة حتى في الأزمنة التي لم تكن هناك معاهد و مؤسسات تعليمية في النمط الحديث،إنها ليست تلك التربية التي تفرط في الإنسان في كل مراحل تكونه لتلاحقه أخيرا و تتداركه مادة يتيمة باردة تدعى مادة التربية الإسلامية،و إنما هي تربية تجعل الوكد من مهماتها أن تنمي الإنسان و تطوره في كل مستوياته لتجعله إنسانا يعيش اهتمامات عصره و مشاغل زمانه بكامل الوعي و اليقظة مزوَّدا بكل إمكانات المتابعة و الملاحقة و التوجيه للحياة المعاصرة.
و على نحو ما تتسع التربية الإسلامية في فحواها و مضمونها فإنها تتسع أيضا في المدى الزمني الذي تتحرك فيه،فهي قد تمارس على الإنسان قبل علوقه و اجتنانه عن طريق تهييئ البيئة الصالحة القادرة على تسريب خصال الخير للوليد. ثم تبدأ تلك التربية منذ الولادة حين يُؤذِّن الوالد في أذن ابنه و يقيم الصلاة في الأذن الأخرى لتكون كلمات الخير أول صوت يقتحم الجهاز السمعي للطفل،و تمضي التربية مع الإنسان صبيا و شابا يافعا و إنسانا مكتمل النمو،و تتحول إلى تربية شعبية عامة حين يؤدي منبر الجمعة أكبر و آكد وظائفها،و تتواصل التربية في صيغة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليظل المجتمع الإسلامي مجتمعا معصوما من الزلل العام ما دامت فريضة الأمر المعروف مؤداة على وجهها الصحيح.
و على هذا فالتربية الإسلامية واسعة المجال لأنها تتوجه إلى الناس في مختلف أعمارهم و أسنانهم و مستوياتهم لا تستثني فردا له مستوى ثقافي أو روحي قد يظن أنه يمنعه من الانحراف،كما لا تقف عند حدود عمر معين تعتبره بعده غنيا عن التربية و التوجيه.
و حين ننتهي إلى الإقرار باتساع موضوع التربية الإسلامية،و باتساع المدى الزمني الذي تتحرك فيه،فإن ذلك يعطي فكرة عن طموح هذه التربية و استهدافها تحقيق أهداف شاملة عامة،بتحققها يتحقق نموذج الإنسان المسلم كما يريده الإسلام).