العلام: إذا كان بقي للتعليم من قيمة وقدرة على المسايرة فإن هذا البصيص من الأمل سيُقضى عليه نهائيا مع سياسة التوظيف بالتعاقد
هوية بريس – عبد الله المصمودي
قال د. عبد الرحيم العلام “إذا كان بقي للتعليم المغربي من قيمة وقدرة على المسايرة، فإن هذا البصيص من الأمل سيُقضى عليه نهائيا مع سياسة التوظيف بالتعاقد التي أقدمت عليها “الدولة” ومستمرة في الاصرار عليها -ليس بسبب طبيعة التكوين الذي يتلقاه المتعاقدون فهذا أمر مطروح لكن بحثه في موقع آخر- ولكن بسبب رمي المتعاقدين إلى مؤسسات العمل دون أدنى شروط أداء وظيفة هي من أنبل وأهم وأخطر الوظائف، وأيضا رمي آلاف التلاميذ بين أحضان نساء ورجال تعليم هو أنفسهم غير مرتاحين في أعمالهم، وعقولهم منقسمة بين ضرورة أداء المهمة والاهتمام بمن أودعتهم الأسر لديهم من أجل رعايتهم علميا وتربويا، وبين النضال من أجل تحسين ظروف العمل والحفاظ على الاستقرار المهني”.
وأضاف أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاضي عياض بمراكش “إن التعليم بالتعاقد لَهُو إعلان عن النفير العام نحو الهاوية بالنسبة للمدرسة العمومية، سيما في ظل غياب ثقافة التوظيف بالتعاقد بالنسبة للمسؤولين المحليين والإقليميين وحتى الوطنيين؛ فالشهادات الواردة من فئة المتعاقدين تعكس طبيعة المعاملة التي يتلقونها داخل إدارتهم المحلية والوطنية، حيث لا نبالغ إذا ما قلنا أن معاملتهم تقترب من حد وصفهم بـ”المأمورين”، في ظل أجورهم الزهيدة (مع الاشارة إلى أن أفضل الأجور التي يتلقاها الموظفون في دول تهتم بمواردها البشرية وبمستقبل أبنائها هي أجور موظفي التعليم)”.
وتابع العلام في تدوينة له على حسابه في فيسبوك “إذا كانت “الدولة” بكل أجهزتها لم تستطع إرغام أقل من 10 آلاف “متدرب” على العودة إلى فصول التكوين -وليس التدريس- إلا بعد أن نالوا مطلبهم المتمثل في التوظيف العمومي (رغم محنة الـ 150 أستاذ الذين نجحوا في الاختبارات كلها وتم منعهم من التوظيف، والذين لا يزالون إلى حدود اليوم معتصمين بشوارع الرباط)، فكيف سيتم التعامل مع أكثر من 50 ألف متعاقد (والعدد مرشح للزيادة) قد تحملوا فعلا مسؤولية القسم ويشرفون على تدريس عشرات الآلاف من التلاميذ؟ بل ما هو مصير هؤلاء التلاميذ إن توقف المتعاقدون عن العمل؟ وما طبيعة هذا التعليم الذي يتلقاه التلاميذ في ظل الأجواء المشحونة؟”.
وأوضح العلام أنه “يمكن أن نتفهم لجوء الدولة إلى التعاقد في قطاعات غير استراتجية، أو حتى التعاقد في بعض الوظائف غير الأساسية في المدرسة العمومية (مساعد مدير، أساتذة للدعم أو للتعويض، أعوان….) لكن أن تتم المغامرة بمواقع حساسة مثل وظيفة التدريس، فهذا إن دلّ على شيء إنما يدل عن نوع من اللامبالاة التي أصبح يُنظر بها للمدرسة بشكل عام من قِبل المسؤولين عن السياسات العمومية”.
على “الدولة” حسب الأستاذ الجامعي “أن تتوقف عن “الترقيع” وأن تلجأ إلى حلول ناجعة من أجل سد الفراغ في أطر التدريس، لأن المدرسة هي الخزان الأهم لمستقبل أي بلد (لم تستطع ماليزيا مثلا أن تنهض لولا الصدفة التي جعلت تعليمها بين يدي وزير يعي جيدا أهمية التعليم)، كما ينبغي البحث عن أسباب تسرّب أموال الخزينة العامة والكف عن اتهام الوظيفة العمومية بأنها مصدر استنزاف الثروة، لأن المغرب لا زال في حاجة ماسة للتوظيف العمومي (المغرب هو البلد الأقل توظيفا في البلدان المغاربية عدا موريتانيا”. مردفا “يمكن مراجعة مقال سابق لنا بعنوان: “كتلة الأجور بين الأرقام الرسمية والوضعية الحقيقية”)، مع العلم أن 48 في المائة من العاطلين عن العمل هم من حملة الشواهد الجامعية وشواهد التكوين المهني حسب الاحصاءات الرسيمة”.
وفي آخر التدوينة أكد العلام، أن “مسألة التعاقد والتعليم بشكل عام، لا تعني المتعاقدين فقط بل تَهُم جميع المغاربة لأنها مرتبطة بكل واحد منا سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. فإذا كان المغرب قد عرف أزمة حقيقية وواسعة في قضية “الأساتذة المتدربين”، الذين كان عددهم قليل مقارنة مع المتعاقدين، ولم تكن لديهم مسؤولية الأقسام، فيمكن أن نتوقع المستقبل مع عشرات الآلاف من المتعاقدين، حيث يُخشى أن نعيش أزمة أكبر وشهورا أو حتى سنوات بيضاء! سيما إذا ارتفع عدد هذه الفئة داخل وظيفة التعليم (العمومي أو الخصوصي) وفي ظل التأخر المعهود في “الدولة” من أجل التدخل لحل المشكلات!”.
يشار إلى أنه بالرغم من أن الأكاديميات الجهوية ألغت نظام التعاقد في توظيفها لأطرها، طبقا للخيار الاستراتيجي التوظيف الجهوي، تبعا لمنظومة الجهوية الموسعة، فإن آلاف الأساتذة المحتجين والمضربين عن العمل في شتى مدن المغرب، يرفضون كل الإجراءات، وهم متمسكون بالالتحاق بسلك الوظيفة العمومية.