العلماء والإصلاح بأي معنى؟
هوية بريس – د.محمد عوام
رسالة العلماء الإصلاحية أن ينخرطوا في الحياة الاجتماعية، وأن يناضلوا من أجل قضايا أمتهم وعلى رأسها القضية الفلسطينية والمسجد الأقصى، ومحاربة المد الصهيوني والصليبي المتمدد، والذي يخنقنا ويحاربنا في عقر دارنا. ومع الأسف فلم نجد لعلمائنا في مجالسهم أي موقف من التطبيع والصهينة، والفساد الذي ينخر في المجتمع والدولة، ولا نكاد نسمع لهم أي توجيه أو إرشاد في التعليم أو يبلوروا نظرية لإصلاح التعليم، ولا نجد لهم أيضا أي مبادرة لإصلاح الإعلام ومحاربة الفساد الذي يتمدد إلى البيوتات وغيرها من القضايا.
والقرآن يسمي هؤلاء العلماء المناضلين بالربانيين، الذين ينخرطون في تسيير المجتمع وإصلاحه وسياسته كما ذكر الإمام الطبري رحمه الله في تفسيره. وفي ميزان الأولويات وتراتبية الدرجات فالعلماء الربانيون المصلحون أنفع للأمة من العلماء البيانيين.
وأنقل لكم كلام أحد كبار العلماء المناضلين الذي نبه العلماء وحذرهم من السكوت والانزواء، وبين لهم وظيفتهم ورسالتهم، إنه العلامة علال الفاسي رحمه الله، من رسالته الموسومة (مهمة علماء الإسلام).
قال علال الفاسي: “إن علماءنا اليوم مسؤولون عن تربية شبابنا، وإرشاد أمتنا. ولكن عليهم لكي ينجحوا أن يعطوا الدليل العملي من سلوكهم، وقيامهم بالنضال المستميت في سبيل الحق، في بعث الإسلام ثقافة، وحضارة، وشريعة، ولغة كتابه.
أما إذا كان العلماء يسكتون عن بقاء اللغة العربية في الحالة التي هي فيها، بعيدة عن كل ميادين الدولة، بعيدة عن ميادين وافرة من التعليم، بعيدة عن الحياة العامة، وعن بقاء لغة الاستعمار مهيمنة علينا في كل تلك الميادين، ولم يتقدموا للدعوة والإرشاد، معلنين أن زوال لغة الأجنبي فرض أساس، لا يقبل الله منا، ولا من حكامنا، صرفا ولا عدلا إلا بتحقيقه.
إذا سكتوا في هذا فكيف يمكنهم أن يتولوا غيره من المسائل التي هي أدهى وأمر.
وإذا كان علماؤنا سيبقون غافلين عن استمرار الاستعمار القانوني، وهيمنة القوانين الوضعية، المؤسسة على مبادئ الاستعمار، ومصالح الرأسماليين الأجانب، دون العودة إلى شريعة الإسلام، التي نجد فيها ما لا نجده قطعا في غيرها من مجموعات الشرائع الخمس، فكيف يقال عليهم أنهم علماء، وأنهم أنصار السنة، وخريجو دار الحديث. والله يقول: “ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون، فأولئك هم الظالمون، فأولئك هم الفاسقون“…
وإذا كان علماؤنا لا يصدعون بضرورة مقاومة الفقر، والعمل على تحسين المعاش، وتحقيق العدالة الاجتماعية، لسائر أفراد الأمة، وتسوية أهل البوادي بالحواضر، في جميع مظاهر الحضارة المشروعة، التي تتقدم مدننا فيها، دون باديتنا، مع أنهم يعرفون أن في تعادلية الإسلام ما يضمن للأمة العمل، وحسن المعاش، والتحرر من هيمنة الأجنبي الاقتصادية، ومن تحالفات المغاربة مع الأجانب على استعباد المواطنين، وإخضاع الفكر المغربي في الحكومة وخارجها إلى ما يؤيد مصالح الأجنبي وأذنابه، والمتعاونين معه، فكيف يمكنهم أن يعد علمهم في تاريخ النهضة الشعبية، والحصول على قيادة التطور الاجتماعي.
وإذا كان علماؤنا يظلون يرون الخمور والفساد منتشرين علنا وسرا، في كل الأمكنة والبقاع، ويرون القوانين الصادرة فيها مهملة معطلة، ثم لا يقولون إن هذا منكر يجب زواله، فكيف يمكن أن يشاركوا عمليا في بناء المجتمع الإسلامي، الذي نريده ونعمل له.
وإذا لم يتصد العلماء بعد الدروس والاستعدادات لمقاومة العهارة الفكرية، ومناضلة الذين ينشرونها بشتى وسائل التضليل والاستغلال، فمن الذي يقوم بهذه المهمة غيرهم.. أهم ضحاياها من الشباب أو عامة الشعب، الذين لم يعوا ما يريد بهم هؤلاء العلماء المتآمرون.
وإذا كان العلماء يرون على مرآى ومسمع من الجميع دعاة التبشير بالمسيحية، والبهائية، والإلحاد، في وسطنا، وفي مدارسنا، ومعاهدنا، وفي منتدياتنا، علاوة على شتى المدارس الدينية الأجنبية، التي لم تؤسس إلا لجمع اليتامى واللقطاء من إخواننا، لينشؤوهم تنشئة غير إسلامية، وليخلقوا في وسطنا أخلاطا وأنماطا، لا تستطيع أن تتحد إلا على التخلي عن الدين، على الأقل في الدولة أو القوانين، بدعوى حياد الدولة، ووحدة التشريع للجميع، فإنهم الذين سيسألون غدا أمام الله، ما فرطوا في ذات الله، وعلى عدم قيامهم بواجب الذب عن حمى الإسلام، ومقاومة الكفر والطغيان.
وأخيرا إذا لم يكن العلماء في مقدمة الذين يقاومون الظلم والظالمين، والرشوة، وحرمان المستضعفين من حقوقهم، أولئك الرجال والنساء، الذين يقولون: “ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا“.
إذا لم يكن العلماء في هذا الموقف فمن يحل محلهم، هل الجاهلون أم الظالمون…
لا بد للعلماء أن يستخدموا من كتاب الله، وسنة رسوله، وهدي السلف الصالح، وما أفاده العلم الحديث، وتجارب الأمم والشعوب، ما يعوض الإسلام أن يكون غاية التغيير المطلوب منا، لبناء المجتمع الإسلامي الحديث، القائم على أصالة الدين، وحداثة الأنظمة والأساليب. فعلى علمائنا أن يعملوا جهد المستطاع لتحقيق هذا الهدف والإعداد له.
وإنكم يا خريجي دار الحديث الحسنية، تعلق عليكم آمال كبيرة، فلا يكن حظكم من العلم هو طلب الحرمة والجاه، والوظائف العالية، والتخلي عن أداء مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
لقد قال سفبان الثوري: “لله قراء، وللشيطان قراء، وصنفان إذا صلحا صلح الناس، السلطان والقراء، يعني العلماء”.
وصدق الله العظيم: “تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين” (ص:74 وما بعدها).
فأين علماءنا مما ذكره علال الفاسي؟
نعم لا يمكن أن يكونوا كذلك إلا إذا كانوا مستقلين، متبوعين لا تابعين.