العلمانية بين وزيري الأوقاف التوفيق والمدغري

19 أكتوبر 2025 17:32

العلمانية بين وزيري الأوقاف التوفيق والمدغري

هوية بريس – نبيل غزال

لا زال كثير من المتتبعين للشأن السياسي والديني في المغرب يتذكرون ويستحضرون التصريح المثير الذي سبق وأدلى به وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق من تحت قبة البرلمان.

حيث كشف السيد الوزير، بتاريخ الإثنين 25 نونبر 2024، خلال جلسة الأسئلة الشفهية بمجلس النواب، عن تفاصيل لقاء جمعه بوزير الداخلية الفرنسي، الذي باغته بسؤال: “العلمانية تصدمكم؟”، فأجابه وزير الأوقاف المغربي: “لا”، فتساءل المسؤول الفرنسي: “كيف تقول لا؟”، ليجيبه التوفيق مرة أخرى بقوله: “لأننا علمانيون”. وتابع مفسرا: “قلت له: ليس لدينا نصوص 1905؛ ولكن من أراد أي شيء يفعله، لأن لا إكراه في الدين. فظل فاتحا فاه” أي الوزير الفرنسي.

الإقرار بالعلمانية من وزير وصي على الشأن الديني بالمغرب، أثار ردود فعل غاضبة وغاضبة جدا، سواء داخل أرض الوطن أو خارجه. وعلى الرغم من المبررات التي قدمها الوزير دفاعا عن قوله، وردّه برسالة مكتوبة على الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، بالتأكيد على أن ما نعيشه على مستوى السياسي والقانوني والحريات الفردية مقتبس من نظام علماني، لم يُهدِّئ كل ذلك من روع الغاضبين الذين تحسروا كثيرا على الدفاع عن المفاهيم الصلبة للإسلام خلال مرحلة تدبير التوفيق.

هذا الوزير الذي لطالما تعامل بقسوة و”حكرة” مع العلماء، فوصفهم تارة بالخوارج وأخرى بالمشوشين و”أصحاب الفهامات الخاوية”، واتهم المسلمين، كأنهم سقط متاع، بكونهم “لم يغادروا شيئا إلا واقتبسوه من الحضارة الغربية”!

هذا الوزير لم يفلت حتى وهو في مرحلة دفاع عن تصريحه المثير الذي يمس أساسا ببنية الدولة ويخدم أجندة مدعومة من الخارج، أن يهاجم فقهاء المغرب بقوله: ولو أراد زعيم الحزب السياسي المعترض على العلمانية أن يسلك طريق الفقهاء والشيوخ في تدبير الشأن العام “لأضاع كثيرا من الوقت بسبب خلافاتهم“.

ربما بسبب المستجدات الكثيرة التي شهدها ربع القرن الأخير قد لا يستشعر بعض المتابعين فظاعة الوضع الذي بلغناه، من أجل ذلك حريٌّ بنا أن نجري مقارنة عجلى بين كلام وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الحالي د.أحمد التوفيق، وما كتبه وقرّره وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السابق د.عبد الكبير العلوي المدغري حول العلمانية واللائكية، وهي مقارنة ستقربنا من تحديد أي من الوزيرين يصدر عن مرجعية العلم والدين والتاريخ والهوية ويرفع بها رأسه، ومن يتنكر لها ويشعر بالدونية والنقص تجاه الآخر وتراثه ورموزه.

وفيما يلي نصوص مقتبسة من كتاب “الحكومة الملتحية”، لوزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الراحل د.عبد الكبير العلوي المدغري، رحمه الله، تقرب الصورة لما سبق ذكره:

– “العالم الإسلامي منذ قرنين على الأقل وهو عرضة لأطماع الغرب، مستهدف من القوى الاستعمارية التي أرادت نهب خيراته، والتي احتلت أراضيه واستنزفت ثرواته الطبيعية، ثم تركت فيه بعد اضطرارها للخروج أنظمة معظمها تابع لها دائر في فلكها ضامن لمصالحها، وجربت فيه الرأسمالية والليبرالية والاشتراكية الشيوعية بشكل رديء، وعن طريق الإكراه، وبواسطة أنظمة فاسدة في معظمها، وجعلته في حالة يُرثى لها ماديا وأخلاقيا وثقافيا ودينيا واجتماعيا وسياسيا، ليأتي هؤلاء الماديون العلمانيون الحداثيون بعد ذلك ويزعموا أن الدليل على أن الإسلام ينشر ثقافة الفقر هو الحالة التي عليها شعوب العالم الإسلامي!

يا سبحان الله! وهل هنالك من الشعوب الإسلامية من نجا من التسلط المالي الرأسمالي أو الاشتراكي والاستلاب الثقافي والتشهير المسيحي والسياسات الفاشلة لعزل الدين عن الحياة الخاصة والعامة للأفراد والجماعات؟!

متى سمحوا للعالم الإسلامي بتطبيق نظام الإسلام في السياسة والاقتصاد والاجتماع، حتى يمكنهم تفسير الحالة التي نحن عليها بثقافة الفقر المرتبطة بالإسلام؟!” (52).

– “إن إقصاء الدين عن المجال السياسي ليس من الضروري أن يتم بواسطة اللائكية، وإنما يمكن أن يتم أيضا بواسطة الاستبداد. ذلك أن الاستبداد يضيق بالأخلاق والقيم والدين، ويريد تدبير الأمور تدبيرا آنيا، ولذلك لا يسعه إلا إبعاد الدين وتهميشه أو توظيفه كقناع، واستخدام رجاله كغطاء.

– “نعود إلى مبدأ الحكم بما أنزل الله، فنرى أن النصوص الشرعية صريحة في شمولية هذا المبدأ لجميع جوانب الحياة الخاصة والعامة، الفردية والجماعية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والفكرية والتشريعية. قال الله تعالى: ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون﴾. وقال الله تعالى: ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون﴾. وقال الله تعالى: ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون﴾.

نحن أمام دين ينظم الدنيا، وسواء أحببنا أم كرهنا، فإنه جاء بجملة من الأحكام في مختلف جوانب الحياة الخاصة والعامة، الدينية والدنيوية، ولا يمكن للمسلم بحال من الأحوال أن ينكر تلك الأحكام أو يطرحها جانبا، كما لا يمكن لمواطن أن ينكر القانون أو يطرحه جانبا.

فالقضية إذا ليست قضية فكر ظلامي غير قابل للتفتح والتطور، القضية قضية إشكال قانوني تشريعي.

إننا لا نتحدث عن (الحكم بما أنزل الله) من باب الوعظ والإرشاد، ومن قبيل تلك الدروس الدينية التي يستمع إليها البعض ثم يقوم ليجابهها فيما بعد.

إننا نحلل هنا أمورا لها علاقة بالأمن العام، وسلامة المجتمع واستقراره، لأننا نعلم أن الجماعات الإسلامية اليوم ينتشر فيها الفكر التكفيري بشكل لا يمكن الاستهانة به..” (36). اهـ

ومن ضمن المقارنات بين الوزيرين أننا إذا رجعنا إلى مؤلفات ومقالات الوزير المدغري نجده يستدل بفقهاء وعلماء من قبيل السهيلي وابن هشام والجرجاني وابن خلدون والنووي والإمام مالك، ومراجع كالصحيحين وكتب السنن وغيرها. أما الوزير الحالي فيستدل بأرسطو وفلاسفة الغرب، والمفكر الباكستاني “فضل الرحمن مالك” الذي يصنف كأحد رموز التأويلية الحداثية.. ليبرِّر فوائد البنوك الربوية ومقولة “نحن علمانيون”.

أضف إلى كل هذا أن خطاب الوزير المدغري معتدل وشامل للدين في كافة مناحي الحياة، في حين نجد التوفيق يحصره في الخطاب الأخلاقي الذي يتقاطع مع المشترك الغربي، ولا يخرج بالدين من خارج المسجد إلا إن سمح له السياسي بذلك.

طبعا لا نقول إن الوزير المدغري لم تكن له أخطاء، فلكل مسؤول حكومي إكراهاته السياسية والتدبيرية سواء في الداخل أو الخارج، لكن في قطاع وزاري حساس كالأوقاف والشؤون الإسلامية يفترض في الوزير أن يتمتع بمؤهلات شرعية وعلمية خاصة، تمكنه من رسم سياسة دينية تحفظ الأمن الروحي والمبادئ الكبرى للدين في ظل واقع إقليمي ودولي مضطرب. وما إن اختل شرط الكفاءة في المسؤول، فمهما بلغ صدقه وتفانيه في أداء مهمته، فإن النتائج على أرض الميدان ستكون ولا شك كارثية ووخيمة سواء من جهة التدبير، أو الثقة في المؤسسات المخول لها القيام بهذه المهمة الكبرى والجسيمة.

آخر اﻷخبار
1 comments
  1. هذا المسؤول الذي سنوقفه ليسأل أمام الله عن كل ثانية قضاها محاربا لكل ما هو إسلام، و سنرى بماذا يجيب، لكننا نستغرب من وجود رجل يريد هدم و تدمير المملكة بتهافته على تطبيق سريع لمخطط يسيء للسدة العالية بالله. إمارة. المؤمنين في عهد هذا المسؤول مهددة و بهدوء لا يسمع هدمه أحد. هو بارع في الكذب عند قوله ان المغاربة راضون بالشكل الجديد للخطبة يوم الجمعة. و لا يستحي يكذب على ملكنا حفظه الله. الكلام عن أفكار هذا العلماني كثيرة و ليس فيها ما يسر . و نسأل الله أن يجعل كيد من يكيد للإسلام والمسلمين في بلدنا الحبيب في نحره و هلاكه.

التعليق


حالة الطقس
7°
19°
السبت
20°
أحد
20°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة