العلمانية والحرية الجنسية.. مصانع مفتوحة لأطفال الشوارع بالمغرب

07 أغسطس 2025 13:16

العلمانية والحرية الجنسية..مصانع مفتوحة لأطفال الشوارع بالمغرب

هوية بريس – متابعات

تعيش فئة الأطفال المتخلى عنهم في المغرب خارج أي إطار طبيعي للأسرة أو المجتمع. وتبدو هذه الفئة، في صمتها ومآسيها، عنوانا صارخا لانهيار أخلاقي وقيمي يتفاقم في ظل سياسات عمومية باهتة، ونزوع ثقافي نحو الانفلات من الضوابط الشرعية، وتعطيل الوازع الديني في تأطير الحياة الفردية والجماعية.

فما كان يُعتبر قبل عقود من المحرّمات الاجتماعية، أضحى اليوم مجرّد إحصاءات باردة وأرقام صادمة تشير إلى مآلات مجتمع تتخلّى بعض نخبه السياسية والإعلامية والثقافية عن المرجعية الإسلامية، وتلهث وراء نموذج أسري دخيل.

55 ألف طفل يولدون خارج إطار الزواج بالمغرب

تشير التقارير الميدانية إلى أرقام مقلقة؛ فبحسب معطيات موثقة صادرة عن جمعيات تشتغل في هذا المجال، كـ”إنصاف” و”التضامن النسوي”، يولد في المغرب يوميا أكثر من 150 طفلا خارج إطار الزواج، أي ما يعادل نحو 55 ألف طفل سنويا. وهذا الرقم، بالرغم من أنه لم يصدر عن جهة رسمية وصدر عن جمعيات مدنية، فإنه يعكس مدى عمق التحولات التي طرأت على نمط العلاقات الاجتماعية، ويثير تساؤلات جوهرية حول المرجعيات التي تحكم رؤية المجتمع للأسرة والعلاقات الجنسية والإنجاب.

الوجه الأكثر بؤسا في هذه الظاهرة هو أن ما لا يقل عن 24 طفلا يُتخلى عنهم يوميا في أماكن مختلفة، من الشوارع إلى المساجد أو أمام أبواب الجمعيات، ما يؤكد فشل كل من الدولة والمجتمع معا في حماية هؤلاء المواليد من مصير مؤلم يرافقهم طوال حياتهم.

أطفال ضحايا ثقافة مادية ونزوات الجنسية عابرة محرومون من النسب، من الاحتضان الأسري، ومن الحماية القانونية والاجتماعية، ينشأ كثير منهم في مؤسسات الإيواء أو الشوارع، حيث يتعرضون لكل أشكال الاستغلال والتشرد والانحراف.

إنها أزمة اجتماعية عميقة؛ تكمن جذورها أولا، في انتشار الزنا الذي يصطلح عليه اليوم بالعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، والتي أصبحت مبرَّرة في الخطاب الإعلامي وبعض الأوساط الحقوقية تحت مسمى “الحرية الفردية” و”الخيار الشخصي” وحماية حقوق الإنسان. ويتم الدفع بقوة، من خلال نقاشات ومطالبات معلنة، إلى إلغاء الفصل 490 من القانون الجنائي، الذي يجرّم الزنا/”العلاقات الرضائية” خارج الزواج، ما يعني فعليا شرعنة ما يؤدي إلى التخلي عن الأطفال من طرف أمهات من زنا يجدن أنفسهن في مواجهة مجتمع قاس بلا حماية ولا بديل أخلاقي واضح.

إن غياب أو تهميش المرجعية الإسلامية في توجيه السلوك الاجتماعي، وبالأخص في مجالي الأسرة والجنس، خلق فراغا قيميا تسللت منه أنماط ثقافية مستوردة تدعو إلى تحرير الغرائز من كل قيد، بما في ذلك قيد المسؤولية. فالخطاب الذي يُروّج للفردانية، ويشجع على التخلص من الضوابط الشرعية بحجة “التحرر من الرجعية”، هو نفسه الذي يتغافل عن النتائج المدمرة التي تخلفها هذه الاختيارات على الكيان الأسري، وعلى الأطفال الذين يولدون في هذه الأوضاع، ثم يُلقَون في المجهول، ليصيروا بعد ذلك عرضة للاستغلال الجنسي مهددين بالزج بهم في عالم الجريمة بكل أشكالها.

ضعف القوانين والسياسات العمومية

تبزر ها هنا ضعف القوانين الزجرية والوقائية التي تحمي الأسرة وتؤطر العلاقات بين الجنسين. فالقانون المغربي، في صيغته الحالية، لم يواكب بجدية التحولات الاجتماعية التي تتطلب تفعيل آليات قانونية تحمي الأطفال من أن يتحولوا إلى ضحايا خيارات فردية أنانية أو طائشة. كما أن السياسات العمومية، في مجال التعليم والتوعية والإعلام، لا تواكب أهمية التربية القيمية المبنية على الدين والتقوى، ما يجعل الجيل الجديد يفتقد إلى التوجيه المتماسك الذي يحميه من السقوط في علاقات جنسية غير شرعية تؤدي في الغالب إلى نتائج مأساوية.

وفي هذا السياق تشير الدراسات إلى أن معظم الأمهات من زنا اللائي يُجبَرن على التخلي عن مواليدهن هن من الفئات الهشة: قرويات أو عاملات منزليات أو طالبات، يجدن أنفسهن في وضعيات اجتماعية قاسية بدون دعم أسري أو قانوني. وغالبًا ما يُحكم على هؤلاء الأمهات بالعزلة والعار، ويتم تحميلهن وحدهن مسؤولية “العار”، في حين يفلت الطرف الآخر من أي محاسبة مجتمعية أو قانونية. هذه المفارقة تضاعف حجم المأساة وتجعل التخلي عن المولود، في حالات كثيرة، خيارًا قسريا بدلا من أن يكون مرفوضا دينيا وأخلاقيا ومجتمعيا.

المغرب واختيار النموذج الغربي للأسرة

لا يمكن فصل هذه الظاهرة عن الإطار الإيديولوجي الذي يدفع المغرب تدريجيا نحو ما يشبه النموذج الغربي للأسرة. ففي الوقت الذي يعرف فيه النموذج الغربي نفسه حالة انهيار، ويتحدث ساسته وخبراؤه عن أزمات الزواج والطلاق والتفكك، يبدو المغرب، بمنظومته القانونية والإعلامية والثقافية، وكأنه يندفع بسرعة “التيجيفي” نحو تكرار نفس الأخطاء، دون اعتبار لهويته التاريخية ولا لخصوصياته الدينية والاجتماعية.

السؤال الأخطر الذي يطرح نفسه هو: من المسؤول؟ وهل هناك إرادة حقيقية لمعالجة الأسباب لا فقط النتائج؟

لا شك أن المسؤولية تتقاسمها أطراف متعددة. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية مطالبة اليوم بأدوار تربوية ودعوية أكثر جرأة وواقعية في هذا الباب، بدل الاكتفاء بخطب تبعث عن النوم ولا تمسّ واقع الناس وقضاياهم الحارقة.

كما أن وزارتي التعليم والتضامن والأسرة تتحملان قسطا كبيرا من المسؤولية، فهما المعنيتان بوضع سياسات لحماية الطفولة والأسرة وتعزيز آليات التوعية والدعم الاجتماعي والتعليم على الأخلاق والقيم.

الإعلام، بدوره، مدعو إلى مراجعة خطابه حول العلاقات بين الجنسين والأخلاق والجنس، بدل ترويج أنماط حياة تنشر التفكك والانحلال تحت غطاء الحرية.

الأهم من كل ذلك هو الدور الذي يجب أن يضطلع به المجتمع المدني والعلماء والمفكرون، في استعادة مركزية المرجعية الإسلامية في ضبط العلاقات الاجتماعية، والقيام بمبادرات جادة لحماية الأم والطفل داخل منظومة أسرية متماسكة. فالدين، بخطابه المتوازن، يبين الحكم الشرعي ويقدم نموذجا حضاريا متكاملا للأسرة والعلاقات، يقوم على الاحترام والمسؤولية، ويضمن حق كل طفل في النسب والحماية والرعاية، وهو ما لا توفره الأنظمة الفردانية المتحللة من القيم.

إن إعادة الاعتبار للهوية الإسلامية، في التشريع والسياسة والإعلام والتربية، لم يعد خيارا ترفيا، بل ضرورة وجودية لحماية المجتمع المغربي من التفتت. فالمجتمع الذي لا يحمي أضعف حلقاته -أي الطفل حديث الولادة- هو مجتمع يعلن، بشكل غير مباشر، تخليه عن مقومات البقاء والاستمرار.

في خاتمة

إن ظاهرة الأطفال المتخلى عنهم ليست فقط أزمة اجتماعية، بل تجسيد لانهيار تدريجي في منظومة القيم التي كان الإسلام يحصّن بها المجتمع. والعودة إلى المرجعية الدينية ليست دعوة للتزمت أو الرجعية كما يُروّ تيار يناصب الدين العداء دون وعي وفهم، بل هي استعادة لمنظومة متكاملة تحفظ الكرامة الإنسانية وتصون الفطرة وتمنح الأمان للمرأة والطفل والرجل على السواء.

إن استمرار المغرب في استنساخ النموذج الغربي دون تمحيص، هو انتحار حضاري وقيمي لن يدفع ثمنه سوى الأجيال القادمة، التي ستولد في فراغ هوياتي قاتل، وقد لا تجد من يحتضنها لا في الشارع، ولا في الدولة، ولا حتى في الوعي العام.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
16°
19°
السبت
19°
أحد
19°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة