العلمانيون ومحاربة الإسلام
هوية بريس – ابراهيم الناية
ضمن المؤامرة على الاسلام شكل الهجوم عليه اوجها متعددة، ولم يتوقف عند قضية معينة كمسألة المرأة والأسرة بل تجاوز ذلك الى المنظومة الاسلامية ومفاهيمها ونظرتها الى الحياة، وكان يتوخى المتحاملون من كل ذلك طرح بديل عن ما جاء به الاسلام، ولكن هذا البديل لم يكن سوى الثقافة الغربية بكل تلاوينها وما تحمله من رؤية ومفاهيم حول مختلف القضايا ،ومن ثم لم يتقاعس اتباع الغرب بل بذلوا جهودا مضنية في الترويج لرؤيته حتى لو كانت مضرة بالواقع الذي تعيشه مجتمعاتهم. ولكي نوضح الامر اكثر، نطرح السؤال الاتي :
هل نُخضع الاسلام لحياتنا أم نخضع حياتنا للاسلام.؟ فهذا السؤال المفصلي هو الذي يتعين طرحه أمام المتربصين الذين يريدون شن الحرب الايديولوجية. لأنه يريد ان يميز الأمور لكي لا تبقى ضبابية، فكل المسلمين يرون انه ينبغي اخضاع حياتنا للاسلام، لكن ما نصيب هذا القول من الفعل في الواقع؟. اما العلمانيون فيرون انه ينبغي اخضاع الإسلام للتحولات المجتمعية. لانهم يرون ان الاحوال المجتمعية قد تغيرت عن تلك الظروف التي نزل فيها القرآن. وهي دعوة باطلة لأنهم يتصورون الوحي وكأنه قول بشري يخضع لمنطق الزمان والمكان، ومن ثم لا يجدون اي فرق بين الخالق والمخلوق، ولا بين كلام الله وكلام المخلوق، وهكذا نرى بعضهم يردد القولة الشهيرة: “لا ينبغي ان نبحث في النظريات عن حياتنا ،ولكن ينبغي ان نبحث في حياتنا ذاتها بحثا عن النظريات “.
وهذا هو التصور المادي للحياة الذي يرى ان الوجود الاجتماعي هو الذي يحدد طبيعة وعي الانسان. ومن هذا المنطلق وضمن الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الاسلام في كل المجالات وعلى كل الواجهات. يقوم المنظرون الايديولوجيون للفساد بمحاولات التشويه للإسلام وتقديمه للناس على أنه محاولة إنسانية يعمها ما يعم كل التصورات البشرية. وهناك مواقف تسير في هذا الاتجاه من بينها محاولات تأويل كثير من الايات قرآنية والاحاديث النبوية لتتماشى مع الظروف السياسية التي يمر منها بلد ما، وتكون استجابة لرغبات بعض الساسة لانهم يحتاجون الى دعامة ايديولوجية تُدعم مواقفهم وسلوكاتهم كما احتاج حكام بني العباس الى الفلسفة اليونانية التي اتخذوها كسند ايديولوجي لنظام حكمهم لتبرير الكثير من التجاوزات، وهناك من العلمانيين من يطرح آراءه على استحياء وينادي بمراعاة الاحوال ، وعلى ضوء هذا التصور يقوم بنقد تلك المواقف المشرقة والمضيئة التي عرفها التاريخ الإسلامي خصوصا من قبل الفقهاء الذين واجهوا الظلم والفساد ولم ينجروا عن قول الحق ولم يقبلوا الدنية في دينهم ولا في مروءتهم وكرامتهم لأنهم ءامنوا بالحق وارادوا ان يلقوا الله وهو عنهم راض، لكن المنهزمين عقليا ونفسيا يريدون التأسيس لهزيمتهم ويبحثون عن الاسباب والمبررات لكنها لا تصمد امام الحقيقة الناصعة التي لا غبار عليها : ان الله أنزل القرآن ليكون قانون حياة الانسان، ولذلك فلا داعي للالتواء، لكن لعنة الكرسي او اللقمة المغمسة بالذل وراء تلك المواقف السلبية.
والعلمانيون رغم اختلاف توجهاتهم وجذورهم الفكرية فإنهم لا يتفقون الا على مسألة واحدة وهي: محاربة الاسلام. والغريب ان نقدهم وهجومهم لا ينصرف الى المسيحية او اليهودية او مختلف المعتقدات التي يعتقدها كثير من البشر، وانما جهدهم ينصب بالجملة على التحامل على الاسلام وأهله، وهجومهم على الاسلام لا يتوقف عند قضية معينة. بل ان خطتهم تنحو منحنى شموليا، واحيانا يتبادلون الادوار. لأن المسألة عندهم تتعلق بمنطلقاتهم الفكرية ،فهم لا يؤمنون اطلاقا بتدخل الله في شؤون مخلوقاته، وانما هدفهم الوحيد هو ابعاد سلطان الخالق عن شؤون عباده. ومن هذا المبدأ راحوا يتحركون على كل الواجهات، سواء كانت عقائدية وغيرها. ولكنهم يصدرون في كل هذه الامور عن الجهل بحقائق الاسلام. وهذا هو سر مقتلتهم. اذ يقعون في تناقضات لا حصر لها. ولكن ذلك لا يعنيهم في شيء. ما داموا يصنعون واقعا مزيفا. ويستخلصون منه مواقف واحكاما يقدمونها للناس على انها حقائق ،ومن المؤسف ان بعض الناس ينعتهم خطأ بالحداثيين، والحداثة تتبرأ منهم لأنهم غارقون في التبعية وتقليد الاخر والتفكير بعقله والنظر برؤيته، فالحداثة ابداع وابتكار وحضور للذات الواعية التي تريد عقلنة سير المجتمع بمنطق العلم والايمان ، وللذكر: فقد تخلى العلمانيون عن المشاريع الاقتصادية والاجتماعية التي كانوا ينادون بها في فترات سابقة وحصروا الكلام في المرأة والعلاقات الرضائية والمثلية وغير ذلك… رغم انهم لا يؤمنون بدور المرأة وفاعليتها وانما يتخذون الحديث عن المرأة كجواز مرور لمحاربة الاسلام ليس إلا ، ولا يعنيهم خراب الاسرة وتدمير بنية المجتمع، وللعلم فقد اختزلوا المرأة في الزوجة فقط، لان الهدف هو تخريب الاسرة وهي رؤية غربية قائمة على عقوق الوالدين والاقارب. وللبيان : إن شقاء المرأة في ابتعادها عن منهج الله، وبتفضيلها قول البشر على قول الخالق وهو ما يدعو اليه العلمانيون.
إن الله سبحانه خلق الانسان في أحسن تقويم بالكيفية التي أراد وشرع له القوانين التي تنسجم مع طبيعة خلقه، فإذا سار الانسان في ظل تلك القوانين فسيعيش حياة الطمأنينة والنعيم ، ولكن الانسان عندما يخرج عن سياق ما رسمه الخالق فان حياة النكد والتعاسة والشقاء في انتظاره.
وعجبا لقوم يفضلون الشقاء عن حياة الهدى والنعيم . “وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ”.