العلمانيون ونظام الحكم في المغرب

20 فبراير 2025 01:57

هوية بريس – إدريس الكنبوري

عندما دخلت العلمانية مع مدارس الاستعمار وبعثاته إلى المجتمعات العربية في النصف الثاني من القرن الماضي كان العلمانيون يدركون بأنهم غرباء عن المجتمعات التي يعيشون فيها، فقد خرج الاستعمار وترك وراءه صنفين من الناس في الدول العربية، نخبة حاكمة كانت موالية له، ونخبة علمانية كانت مؤيدة له، الأولى كانت تطبق سياساته، والثانية كانت تنشر أفكاره. وقد ظهر بين هذين الصنفين نزاع بعض الوقت، واعتقد الناس أنه نزاع بين رفض الغرب وقبوله، لكن النزاع في الحقيقة كان حول الغرب نفسه، هل نبدأ من حيث بدأ، وهذا هو صوت العلمانيين، أم نبدأ من حيث هو كائن، وهذا هو صوت النخبة الحاكمة.

جميع الدول العربية عرفت بعد الاستعمار نخبة حاكمة جديدة، ما عدا المغرب الذي حافظ على تقليده السلطاني القديم واستمر بفضل تشبثه بالتقاليد، وقد حافظ الحكم في المغرب على جذوره التاريخية التي لم تقطع علافتها بالإسلام، لكنه انفتح على التقاليد الدستورية الجديدة، فنشأ ما يسميه الغربيون ازدواجية الحكم، المدني والديني، فبقي الملك السلطان الشرعي بالمعنى الديني لكنه أصبح رئيسا للدولة بالمفهوم الحدي، وبهذا المعنى لم يفرط الحكم المغربي في الشرعية الدينية كأساس، لكنه تبنى الشرعية المدنية كأسلوب.

هذه الازدواجية التي أساء فهمها المحللون الأوروبيون وانتقل سوء الفهم منهم إلى بعض المثقفين المغاربة في الستينات والسبعينات ظلت مشكلة لدى فئة من النخبة العلمانية المغربية رغم قلة عددها، لكن صوتها كان بارزا بفعل تبني الدوائر الأوروبية لأفكارها، كما حصل مع عبد الله العروي الذي كتب له مقدمته المستشرق الياهودي الفرنسي ماكسيم رودنسون صاحب كتاب”محمد” الذي أساء فيه إلى نبي الإسلام وقال فيه إن النبي صلى الله عليه وسلم اقتبس القرآن من التعاليم الياهودية، ونفى أن يكون نبيا بل قال إنه لم يكن سوى كاهنا.

وبينما عرفت دول عربية عدة تغير أساليب الحكم بين ملكية وجمهورية، وتغير إيديولوجيا الحكم بين اشتراكية وقومية، حافظ نظام الحكم في المغرب على نمطه القديم بدون تغيير، وذلك بفضل عدم إحداث قطيعة مع العلماء والزوايا والمدارس الدينية، وظل التيار العلماني المدعوم من الغرب يعمل من أجل فك الارتباط بين الدين والدولة طيلة عقود من دون جدوى، وكان المدخل لفك الارتباط هو الفصل بين شخص الملك كرئيس للدولة، وشخصه كأمير للمؤمنين، أي القضاء على تلك الازدواجية الوهمية التي تحدثنا عنها أعلاه، بحيث لا يصبح الملك مسؤولا عن الشأن الديني، وهو ما يقود إلى فصل الدين عن الدولة على النمط الفرنسي.

اليوم يتجسد هذا التصور في الموقف من مدونة الأسرة، فمعركة المدونة ليست مجرد معركة بسيطة حول تغيير أكثر من 400 فصلا في المدونة بل معركة تغيير نحو 12 قرنا من ارتباط الدين بالدولة، ذلك أن المدونة هي القانون الوحيد اليوم الذي بقي مستمدا من الشريعة، وإذا تم فصله عن الشريعة فسيتم فصل الدين عن الدولة عمليا وبشكل نهائي.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
14°
19°
السبت
19°
أحد
19°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة