العلماني والعلمانجي
هوية بريس – سعيد الغماز
في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، كان مد الصحوة الإسلامية يعاني من تضييق كبير في معظم البلدان العربية. وكان من يحافظ على صلواته جماعة في المسجد يصنف في لائحة المراقَبين من قبل المخابرات. وقد بلغت هذه المراقبة للمصلين ذروتها في تونس إبان حكم بنعلي حيث كان الشباب الذي يحافظ على صلاة الفجر في المسجد، يُصنف في خانة الخطير جدا. في هذه الفترة الزمنية، كان النشاط الإسلامي في البلدان العلمانية الأوروبية يتمتع بحرية مطلقة، وتمارس الجمعيات أنشطتها دون تقييد أو تضييق. وكانت المراكز الإسلامية تستضيف رموز الحركات الإسلامية بكل أريحية، فيما نجدهم محاصَرون في بلدانهم وممنوعون في باقي البلدان العربية.
نقف عند هذا التذكير، للقول بأن العلمانية كما تصورها المفكرون والمثقفون في عصر النهضة، لم تكن أداة للتضييق على الممارسة الدينية وليست في الأصل نهجا ضد الدين. بل على العكس من ذلك، العلمانية في تصور مفكري عصر النهضة تدافع عن الحق في التدين وفي ممارسة المعتقدات الدينية. وبالتالي العلماني هو من يدافع عن الحريات بما في ذلك الحق في التدين ويعادي كل توجه ديكتاتوري يتدخل في المعتقدات الدينية ويحاول منعها.
لكن ما نشاهده في المغرب وفي أجزاء من الوطن العربي، من ممارسات عند من يصفون أنفسهم بالعلمانيين، هو بعيد كل البعد عن الأفكار العلمانية التي نقرأها عند مفكري عصر النهضة. لقد جعل هؤلاء من أنفسهم تيارا يحمل وحده الحقيقة ويستعمل الأدواة العقلانية، والآخر متخلف وبعيد عن العقلانية. على سبيل المثال نجد هؤلاء الذين يصفون أنفسهم بالعلمانيين، يدافعون عن المثليين لكنهم يصادرون حق الفتاة في لباس الحجاب ويتدخلون حتى في أمورها التي تتعلق بحريتها وحياتها الخاصة. نجدهم كذلك يتحدثون عن كثرة المساجد ويطالبون ببناء المكتبات بدل هذه المساجد. لكنهم لا يتحدثون عن كثرة الحانات والكبريهات وقاعات القمار ويطالبون بتحويلها إلى مراكز ثقافية مثلا.
ولعل أبرز مثال عن بعد هؤلاء عن روح العلمانية، هو ابتلاع ألسنتهم حين تعرض اللاعب المغربي زكرياء أبو خلال لحملة تشهير غير مفهومة الأهداف ولا الأبعاد حين وصفه مقال في موقع إلكتروني مغربي بالداعشي والسلفي الذي اخترق المنتخب الوطني. لم نسمع أي تضامن مع اللاعب المغربي لمن يصفون أنفسهم علمانيين ولم يدافعوا عن حرية مقدسة في الفكر العلماني متعلقة بالحرية الفردية، ولم يدينوا ما جاء في المقال من اتهامات واهية تمس الحياة الشخصية للاعب المغربي. لكن في ذات الوقت، نجد نادي تولوز الذي ينتمي إليه أبو خلال أصدر بيانا يدين فيه ما جاء في المقال ويدافع عن لاعبه وينوه بأخلاقه وسلوكه. مفارقة كبيرة بين رد فعل نادي رياضي ينتمي لبلد علماني، وبين قوم يعيش بيننا ويقول عن نفسه أنه علماني.
إن هؤلاء الذين يريدون أن يصفوا أنفسهم بالعلمانيين، وهم أبعد عن روح الفكر العلماني بعد الشمس عن الأرض، ليسوا علمانيين وإنما علمانجيين وهو المصطلح الذي يناسب تفكيرهم. نجدهم يتحدثون عن التطرف والداعشية بعد كل حدث مرتبط بالدين الإسلامي، لكن عندما يصدر تطرف من شخص يعتنق دينا آخر قد يكون المسيحية أو اليهودية أو البوذية، نجدهم يبتلعون ألسنتهم. علما أن التطرف هو واحد كيفما كانت قناعات أو ديانة صاحبه.
العلمانجي هو الذي يجعل نفسه يملك الحقيقة ويعادي كل من يحمل قناعة إسلامية. فهو لا يختلف عن الفكر الداعشي الذي لا يعترف إلا بما هو مقتنع به ومن عارضه فهو كافر خارج عن الملة. والعلمانجي كما الداعشي خطر على المجتمع لأن الإثنين ينشران ثقافة التطرف والانغلاق والتشدد اتجاه المخالف. العلمانجي هو الذي أقام الدنيا ولم يقعدها في الحادثة المعروفة “بفتاة الصاية” التي شهدها سوق إنزكان بالقرب من أكادير ومثليي فاس والدار البيضاء وطنجة، لكنه ابتلع لسانه في حادث لاعب المنتخب الوطني أبو خلال.
العلماني شخص يمكن محاورته وربط جسور الفكر والثقافة معه. أما العلمانجي فمن الصعب مد الجسور معه لأنه يحمل فكرا استئصاليا وإقصائيا خاصة ضد كل مخالف يحمل قناعات إسلامية.