العناصر المغربية للمشكلة الأهلية 1930 (2/3)

20 أغسطس 2025 19:58

هوية بريس – ذ.إدريس كرم

الـحَـقـائـق خـطـيـرة

لنأخذ مثلا من هذا القطاع، لفترة طويلة، ضمن تطبيق برنامج تطهير منهجي تقدما ملحوظا كل عام؛ فاختفت المناطق المراد تقسيمها من الخريطة، واحدة تلو الأخرى، ثم تَمَّ اعتماد أسلوب مختلف، لم يحقق النتائج المرجوة؛ بل أدى إلى انتكاسة، لذا يجب اليوم محو آثارها.

يلخص مثل بربري الوضع في بعض قطاعات الجبهة حيث تُقَسَّم مناطق التلال، وتسيطر على المواقع التي أنشأناها عند سفح الجبل، يقال إن قواتنا في هذه الحالة “جيت لأراك قادما” يجيب متسلق الجبال للتغلب على هذه الصعوبات الجغرافية، كان من الضروري التقدم باستمرار عبر الأقناع بالقوة، أو على الأقل الرد بضربة تلو الأخرى، حتى لا نُحرم أنفسنا من السيطرة على العمليات بدلا من ذلك.

واستجابة لتوجيهات العاصمة غير المستنيرة بما يكفي، قوبلت الهجمات بالجمود، أو الأسوإ من ذلك، بمناورات رئيسية غير كافية، بذلا من العقاب المستحق المتوقع.

استُبْدِلت سياسة المفاوضات والهدنات، والتي كانت أوضحُ نتائجها، جعل المعارضين والمتمردين أكثر ثباتا، لأن البربري عملي، يتمتع بكل ميزة في صمان استمرار نظام يعطيه عدم استقراره هذه الميزة المُريحة.

تتمثل الهدنة في السماح لقبيلة بشراء الطعام من أسواقنا مقابل موافقة القبيلة على الحفاظ على أراضيها داخل حدودها، ومنع مرور جيوش المنشقين،

يراقبون ما سيحدث؟

تدَّعي القبيلة عجزها عن مراقبة بلد صعب، والخوف من إغراقها في هجمات مفاجئة، بدلا من أن تكون وسيلة لحماية المخبأ الذي يعيش فيه السكان الخاضعون لنا، مما يتعين عليهم مواصلة الحراسة ليلا ونهارا رغم الهدنة.

من ناحية أخري، فإن إمكانية شراء السكر والشاي الضروريين للحياة اليومية من الأسواق، تجعل القبائل المهدَّنة، بمثابة مخازن ومصرف الجبل، فيجب أن نقتصر منها على احتياجاتنا الحقيقية، فالتهريب يتحايل بسرعة على الأعراف، وأفضل طريقة للتغلب على أسوإ خصومنا هي من خلال وساطة المفسدين من الأتفاق، وهم “وسطاء نزيهون” في المعاملات، لأنهم يربحون أرباحا كبيرة من هذه اللعبة، لا بد من أن تكون شاهدا على الإشتباكات حول عدد البغال لقياس فوائد هذا الإستغلال.

إن الوضع الخطير في تادلة مطلع هذا العام، والذي استنكره سكان المنطقة والكولون والقبائل المُجَمَّعة، لم يكن سببه سوى ضعفنا، ومنذ ذلك الحين، تم إجراء تصحيح ضروري، بشكل سريع ومتواصل.

الإصـلا ح الـقـضـائـي

يجب إدخال إصلاح مماثل في جميع مجالات العمل، وفي مقدمتها المجال القضائي، فرغم تقدم المغرب في بعض المجالات، إلا أنه يعاني من تخلف واضح فيما يتعلق بالعدالة المحلية.

وقد أدى الإفراط في احترام الأحكام القديمة إلى وضع لا يتناسب مع التطور الهائل الذي تشهده البلاد والطبيعة المعقدة التي ولَّدها هذا التطور، محاكم ذات إجراءات عتيقة، واجتهادات قضائية متهالكة، وصلاحيات غامضة، واختصاصات مليئة بظروف غير متوقعة: قضاة غير موثوقين، وكثيرا ما ينازع فيهم، علم محدود، نزاهة مشكوك فيها؛ فيظل المتقاضون يعانون منها، بقدر ما يرون أنها تخدم مصالحهم الآنية حسب رأيهم الغريزي، ونُحَمَّل نحن مسؤولية خيبات المتقاضين من سوء القضاء، وضياع الحقوق، ومع ذلك أُجْريَّت دراسات معمقة للغاية لعلاج تلك العلل، ووضعت مشاريع للإصلاح شاملة وهي جاهزة للدخول إلى حيز التنفيذ.

الإصلاح صعب، وإن كان أقل صعوبة على الصعيد القانوني منه على الصعيد القضائي، فإيجاد قانون وتكييفه مع الإحتياجات مهمة دقيقة للغاية، بيد أن المغرب مستعد، ولدينا سوابق كثيرة حتى في بلد الإسلام؛ في تركيا، وفي مصر، حيث تم فرض التغييرات بحماس ثوري، ستبدو محاولاتنا بالمقارنة معها باهتة، وتزداد الصعوبات عندما يتعلق الأمر بمسألة الموظفين، والمغرب لا يتوفر على أي عنصر أهلي قادر على تطبيق التشريعات المُعدَّلة أو المُحَوَّلَة، لأنه حتى أقل من ارتجال لقانون في الوسط الأهلي، يجب أن يمتلك فيه القاضي بالإضافة إلى فضائل منصبه، ثقافة وذكاء، أو بالأحرى، عادة ذهنية تمنحه القدرات الكافية لأداء دوره الجديد بموضوعية وإنصاف، في تنظيم حديث.

المقيم العام السابق في تونس، يعلم جيدا أن الإصلاح لكي يكون فعالا، يجب أن يكون سريعا؛ إنه يعلم جيدا المخاطر التي يتعرض لها المرء من خلال إظهار ثقة كبيرة في العناصر المحلية غير المؤهلة.

ومع ذلك فإلى أي مدى يتطلع المغرب إلى هذا الإصلاح؟ يشك المرء في أنه سينجح، حتى نتمكن من الإستمرار طويلا.

بالتأكيد سيُثير هذا الإصلاح القانوني والقضائي انتقادات، ستكون على أي حال أقل عدداً وأقل مبرراً من تلك التي وُجهت ضد جمود طويل.

وسوف يترقب دائما من المتشددين تشهير للتقليل من هذا العمل، ويدفع للمبالغة في عيوب أشكال مماثلة طبقت وتطبق في بلاد إسلامية أخرى، حتى لو تطلب ذلك خرق ما يُعْبَد في أماكن أخرى.

هل يجوز أن نتوقف عند مستوى المعارضة المبدئية التي غالبا ما تُستَخدم للدفاع عن مواقف تثير آمالا كاذبة، في حين أن جماهير الشعب، وعملنا يُطالبان بهذا الإجراء الضروري؟

سيعبد الإصلاح القضائي العدالة في قطاع قانوني مهم، العمل من منظور مختلف سيحقق نفس النتائج ضمن إطار مختلف، ألا وهو التنظيم النهائي لبلاد البربر.

تـنـظـيـم بـلاد الـبـربـر

تقدم الشكاية تحت شجرة التين مثالا نموذجيا لتنافر وتضاد البربر وعرب السهل، هذا العداء الواضح اليوم كان شبه مجهول منذ حوالي خمسة عشر عاما، وكان لابد من القتال لإدخال مفهوم الفظاظة في سياستنا، ومع ذلك فإن هذا المفهوم ليس حقيقة بديهية، واضحة في كل مكان:

جيراننا الإسبان، المتمسكون منذ زمن طويل، بوصية إيزابيلا الكاثوليكية، انغمسوا فجأة، قبل بضع سنوات في هوس عرَبَفُون -اللسان عربي-، متخذين موقفا معاديا للبرْبرِفُون -اللسان البربري-بشكل واضح.

علاوة على ذلك، فإن هذا التحول مستوحى من دوافع خارجية، عن نشاطهم المغربي، إنه ينبع من نزعة قومية إسبانية -لا نريد كتابة نزعة قومية إيبيرية، لأنه سيكون مدعاة للسخرية -ذات الإنتشار العالمي، وهي في شمال إفريقيا، لا تخلو من مخاوف جدية بشأن المستقبل.

ومع ذلك فقد سيطر التنافس العربي البربري على كامل السياسة الداخلية في المغرب لعدة قرون، لأن أي سلطان لم يستطع، إيجاد تسوية مستدامة لهذا الموضوع، لقد عانت البلاد من صراعات عقيمة منهكة نفسها، علاوة على ذلك وجد المخزن نفسه في موقع صعب للغاية، فبحكم سيادته، مُدَّعيا مبادئ ذات طبيعة مقدَّسة، وبالتالي حاملا لقانون العقيدة والمدافع عنها، لم يكن بإمكانه سوى استخدام المال لجذب خصومه إليه، كان أي تنازل ممنوعا عليه، ولم يكن مقبولا منه إلا إتمام المهمة، غادر السهل لتسلق الجبل، خيم السلطان في بلاد المعادين له، وإذا كان قويا مثل مولى إسماعيل أو مولاي الحسن، تدفقت عليه المبايعات حينها يعين القايد والقاضي، ولكن سرعان ما يتلاشي أثر الحَرْكَة، وتنسى البيعة والخضوع، أحيانا يحاول المخزن المضي قدما بشكل أكثر ديبلوماسية، لتفكيك الكتلة البربرية من خلال استخدام شخصيات دينية، أو طرق صوفية، أو مرابط منعَزل، والتي طالما لقيت استحسانا من جانب البربر المحِبِّين للْبَرَكة، ولكنه لم يستطع أن يترك يديه حرتين تماما لهؤلاء المساعدين لأنهم لو تقوَّوْا، لسارعوا لاستبداله، وفي هذا المجال يكشف لنا التاريخ المغربي عن أمثلة عديدة.

والآن ما لم يستطع عنف السلاطين، أو ديبلوماسيتهم القصيرة المَدى تحقيقه، فإن الحماية في ظروف مختلفة تماما، قادرة على تحقيقه، وأن تحُلَّ محل الصراعات الدائمة في السهول والجبال، توازُنا حكيما بين العناصر غير المتجانسة، التي تشكل البلاد.

ويتجلى موقفها بوضوح أكبر، لأن قوتها الأجنبية كغيرها في المغرب، لا تدعي فرض عقيدة اجتماعية أو حقيقة لاهوتية، بل في احترام خصوصيات هذه المجموعة، بحيث تمنحها على العكس من ذلك، جميع مزايا حضارة غنية جدا بالإمكانيات المادية، أوالمعنوية، وإمكانية الإتحاد على مستوى أعلى من الخلافات العنصرية، لزوايا التصوف.

آلـيـا ت الــسـيـاسـات الـبـربـريــة

من الواضح أن هذه الآليات لا تخلو من التزامات ثقيلة للغاية، منها دراسة معمقة لمختلف البيئات، من خلال تواصل مباشر ونزيه، أي مختلف عن التواصل الإداري أو الإقتصادي، هناك العديد من المبادرات التي تتحرك في هذا الإتجاه.

ومن دواعي سرورنا هنا، أن ننوه بالتأثير الإيجابي لبعض الشعائر المسيحية: تحية حجاب الأخوات البيض الذين لم يترددوا في مهاجمة منحدرات العياشي، ورغم أن حالات نادرة من الحماس المفرط تبتعد عن المواضيع المطروحة وتتجه نحو هجمات عبثية للأنشطة الكاثوليكية التي ضمت جهودها إلى الجهود الفرنسية الأخرى من خلال أعمالها الخيرية، وباقي المسار الذي يسلكه الضباط والإداريون، والأطباء، وكل من يتمتع بمكانة خاصة بين السكان الأهالي، الذين يتوقعون منا علاجات، وأحكاما عادلة، لا ندين لهم بجميل معيَّن، لكن امتنانهم يوجه لمن له حق الإنصاف أو التفاني المعبَّر عنه لا فقط بالقيام بالوجب فحسب، بل تعاطف وُدٍّ وصِدْقٍ.

في المغرب كما في غيره، القلب يغزو القلب مثلا؟ قد يسيؤون إلى الكثير من الناس المتواضعين، لكن المغرب لا يكرم بعض الناس عبثا.

بالعودة لرجال الدين، الذين سيستفيد كبارهم من تصنيفهم كفرنسيين، لم يستطيعوا اتباع توجيهات أفضل من تلك التي حددها (دُو فوكو) هذا الخبير المرموق في المغرب، هذا القِسِّيسُ الحكيم جدا، الذي وضع التبشير في المرحلة الثانية من واجبات فرنسا الأساسية في إفريقيا، الأول هو الإدارة والحضارة.

كتب “أن هناك حاجة إلى علماء أكفاء بأعداد كافية، ليس فقط للتبشير، إذ يُستقبل المبشرون كما يُستقبل الأتراك القادمين للدعوة لدين محمد، وأكثر سوء، البربرية مساعدة، لكن من أجل التواصل، اجعل نفسك محبوبا، مُقَدَّرا، ثقة، صادقا”، وأضاف أيضا “يجب على الإداريين والضباط والمبشرين أن يكونوا على اتصال وثيق مع السكان لمدة طويلة، في نفس المكان، (مع ترقيات ميدانية للإداريين والضباط) حتى يتمكنوا في الأخير من إدراك معاني ما يبلغون به رؤسائهم بالضبط”.

في هذا الإتجاه، وإن كان على مستوى مختلف، يمكن للدوائر الرسمية، تقديم مساعدة قيِّمة تمكن من العثور على الأشياء الثمينة من خلال التقنيات عبر مسار دقيق يجب اتباعه، لكن إذا كان متأكدا من أن الأمر يتعلق بأعماق الروح الأهلية، في نفس مجموعة علماء معهد الدراسات العليا المغربية مدعوة للحصول على نتائج ممتازة في البحوث المكتبية، لكن في كل مرة يواجهون اكتشافاتهم وتأملاتهم الفكرية بمقارنتها مع الحياة المحلية الراهنة، ويضيف المعهد إلى الإهتمام بتدريب المختصين المغاربة من مختلف التخصصات، الذين لا يقتصر عملهم على قيادة الدوائر أو السيطرة على الأراضي، بل يشمل أيضا بالتعاون مع أساتذة التعليم، تعليم البلاد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنظره في:

les elements marocains du probleme indigene

نشرة إفريقيا الفرنسية 1930/1 ص:20-23.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
7°
19°
السبت
20°
أحد
20°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة