الغائب في مناقشة المدونة

06 يناير 2025 18:42

هوية بريس – ابراهيم أقنسوس

بصدد النفس العام الذي رافق الكثير من النقاشات، التي استهدفت مدونة الأسرة، في صورتها المقترحة الجديدة، يسهل أن نلاحظ إغفال المتكلمين للعديد من المرجيات الأساس، وعدم استصحابهم للأسئلة الكبرى التي تثوي خلف كل هذه النقاشات الفرعية والتفصيلية، ويمكن في هذا الصدد الإشارة إلى الأسئلة التالية:

1_ سؤال النموذج المجتمعي الذي نريده: يبدو واضحا أن جل المتدخلين، أغرقوا في تفاصيل خلافية، تهم ما سمي بحقوق هذا الطرف أو ذاك، الرجل أو المرأة أو الأطفال، وبالطبع كل طرف، كان يدافع عن اقتناعاته بخلفية معينة، تحكمها نظرته إلى المجتمع الذي يبتغيه، سواء فكر في ذلك أو لم يفكر؛ والكثير من الخلافات التفصيلية التي أثيرت بين العناصر، أو الجهات التي خاضت في هذا النقاش، مردها في النهاية إلى الإختلاف حول الرؤية إلى المجتمع، وإلى النموذج المجتمعي التي يستصحبه كل فرد أو هيئة، ما يعني حاجتنا إلى نقاش علمي ثقافي رصين ومعمق حول النموذج المجتمعي الذي نريده جميعا، مع كل الإختلاف الذي يمكن أن يحصل بيننا؛ والتقدم في النقاش على هذا المستوى، الذي يهم مستقبل الأسرة المغربية، أصبح اليوم مسألة ضرورية، ذلك أن العديد من المصطلحات والمفاهيم تحتاج اليوم إلى تدقيق أكبر، وإلى توافقات علمية وموضوعية وحقيقية، لا إلى ترضيات سياسية ومجاملات إديولوجية، ويكفي أن نسرد العبارات التالية ليظهر المعنى:( مجتمع حداثي، مجتمع تقليدي، أسرة عصرية، أسرة محافظة، إسلام مغربي، تامغربيت ..)، كل هذه المفاهيم والعبارات، لم يعد لها من معنى محدد، ولذلك يستعملها الجميع، ضد الجميع، وكل طرف يعتبر نفسه الأحق بها، دون غيره، وحين يشتد النقاش، يلجأ الجميع إلى المؤسسات، دون تحديد، كوسيلة للهروب من مواجهة الأسئلة التي تهم نوع المجتمع المفكر فيه؛ وتبقى المحصلة في النهاية، أن كل ما يسمى خلافات حول مدونة الأسرة، يخفي وراءه منظورا محددا، أو غير محدد، للمجتمع الذي نريد، أو لا نريد، ما يعني أن الخلافات، لا سيما الضاجة منها والصارخة، ليست إلا الشجرة التي تخفي الغابة، التي تعني نموذجنا المجتمعي، الذي يجب أن نصنعه جميعا .

2_ سؤال الأسرة: وهذه من تلك، فإغفال الحديث عن النموذج المجتمعي، وعدم إيلائه ما يستحق من نقاش هادئ ورصين، أدى مباشرة إلى تشويش الرؤية، وعدم وضوحها بالنسبة للكثير من الأطراف المتدخلة، ومن هنا، لوحظ مدى ضمور الحديث عن الأسرة المغربية، بما هي نواة المجتمع، في مقابل تضخم الكلام حول المرأة والرجل، بما هما فردان مستقلان، متنافران ابتداء، ما أدى إلى إذكاء الكثير من الصراعات والنزاعات المجانية، والتي تم النفخ فيها،  وتحولت عبر العديد من وسائل التواصل إلى معارك فلكلورية، بلا غاية محددة .

3_ سؤال مؤشرات التنمية: الكثير من اللغط الذي صاحب العديد من النقاشات حول بعض التفاصيل، المرتبطة بالمدونة، جعلنا ننسى أصل الكثير من تلك الإشكالات، ذلك أن العديد من معيقات الأسرة المغربية، فضلا عن المعيقات التربوية، مردها أساسا إلى غياب مقومات الحياة الكريمة، وعدم امتلاك ما به تستقيم العشرة وتستمر؛ فلست أدري كيف يستقيم أن نتحدث عمن سيمتلك السكن، في غياب مساكن لائقة بمواطنين ومواطنات، وكيف نتحدث عن تقسيم الإرث والأموال، في غياب فرص الشغل، وتعليم جيد للأبناء، واستشفاء لائق، وغيرها من شروط الحياة الكريمة، بالنسبة إلى العديد من المواطنين؛ وغالبا ما تكون هذه المعوقات والمضايق، سببا في تفكيك العديد من الأسر وإفشال الكثير من الزيجات، وهذه هي القضايا الرئيسة التي يجب أن ينشط لها وفيها المسؤولون، وينكبوا عليها، لا المناكفات السياسوية الفارغة،  قضايا التنمية التي ترهن مستقبل الأسرة المغربية حقا، وتحدد بشكل كبير، إلى جانب القضايا التربوية، مستوى الحياة داخل الأسر، ومستوى القضايا والخلافات بين أفرادها أيضا .

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M