الغزو الأخلاقي.. التعليم في إفريقيا الغربية الفرنسية “F.o.a” (مدرسة medersas)
هوية بريس – ذ.إدريس كرم
ملخص:
يتعرض الموضوع لطريقة الغزو القيمي، لسكان إفريقيا الغربية الفرنسية، التي كانت قبل استعمارها تستخدم اللغة العربية، والحضارة الإسلامية، عن طريق التعليم في المدارس التي اعتبرها المستعمر مناهضة له، لذلك ابتكر بديلا لها، تمثل في نشر مدارس فرانكو عربية، حيث تتواجد تلك medersas لتُسهم في تحويل التلاميذ إليها بالمحاكاة والمقارنة.
بيد أن المشروع تم توقيفه، لإبداله بمدرسة فرنسية خالصة، تعامل العربية فيها معاملة لغة أجنية، وأن يقتصر دور medersas على تكوين مساعدين خدماتيين، للمستعمر، في مجالات الفلاحة والتجارة والترجمة.
كلمات دالة:
Medersas، مرابط سيديا، مدرسة فرانكو-عربية موريطانيا، تامبكتو، غينيا الفرنسية، زوايا موريطانية.
نص الموضوع:
ولدت المدارس les medersas في البلاد السوداء، من خطإ نتَج عن رؤية المرابطين يطلعون على نصوص عربية، وهم يسمعون ترديد آيات من القرآن الكريم.
وكان يعتقد من زمن طويل، أن المسلمين في إفريقيتنا الغربية، مشدودون للغة العربية، وقيمتها السحرية، وفهْمِنا لما رددوا على إسلامية غرب إفريقيا، مثلما رددوا على شمال إفريقيا، بأنه يوجد هنا كما في الجزاير وتونس، أو حتى في المغرب، علم عربي، وثقافة إسلامية، تستوجب إقامة توازنات مع هذه الحضارة السابقة على حضارتنا.
أيضا، بحجة الاعتراف، بتعليمنا الفرنسي، علينا الانشغال بخلق نوع من تعليم رسمي للأسلمة، واللغة العربية، بين les ecoles coraniques المدارس القرآنية، والمدارس الفرنسية les ecoles francaises، علينا أن نقوم بوضع des ecoles مدارس- فرانكو عربية حيث medersas مدرسة، بغية نسيان هذه الأخيرة، وقبول مدارسنا الفرنسية.
لكن السياسة العميقة، سرعان ما وضحت لنا بأن المسلمين في إفريقيا الغربية، وحتى المرابطين يقرأون العربية، مثل ما يقرأ أبناؤنا في جوقة الكنيسة، اللغة اللاتينية، من غير أن يفهموا كلمة واحدة، مما يرددون.
فقط عدد قليل من المرابطين الذين قاموا بدراسات مطولة، في زوايا موريطانيا، أو في أي مكان آخر، يتعاملون مع اللغة العربية الأدبية، بمهارة كبيرة، بيد أن هناك الكثير ممن قرأها، وكتبها، لكنهم لم يفهموا شيئا منها، لدرجة أن الحاكم العام بونتي أصدر دورية بتاريخ 8/5/1911 منع فيها استخدام اللغة العربية في كتابة الأحكام بالمحاكم الأهالية.
هذه اللغة العربية التي يجهلها مسلمونا، والتي يعتبرها البعض ناقلة لأفكار خطيرة، نتعهد بتدريسها من الصفر، لتلاميذ مختارين، ولا ينبغي لنا أن نخاف من خرافاتها، كما فعلنا مرات عديدة، ونرى في كل مسلم يتعلم دينه بها، عدوا لفرنسا.
من المؤكد أنها تتطلب وقتا وجهدا في تعلم رموزها، من قبل أهالي غير محتاجين لها، مما يجعلها تتطلب زمنا طويلا لتعلمها، ذلك التعلم الذي لا يعود بأية فائدة حقيقية، على الفرد أو المجتمع.
ترى ألا يكون من الأفضل، بدل تضييع الوقت، في تعلم عديم الفائدة، بالنسبة للأهالي، يتطلب سنينا طويلة من الدراسة، بل يشل حركة الناس، تكريس ذلك الوقت والجهد المخصص لها، في تدريس فرنسي خالص وعملي؟
واليوم نحن مقتنعون تماما بهذه الحقيقة في A.O.F وقد تخلينا عن المشروع الطموح، المتمثل في زرع medrasas المدارس بالمناطق الإسلامية بمستعمراتنا.
وبدلا من إنشاء مؤسسات جديدة منها، قمنا بتخفيض عددها، ثم قمع وجود هذا الجِنِّـيِّ الذي كان وجوده مصطنعا تماما.
لم تبق في كل إفريقيا الغربية الفرنسية A.o.f إلا في ثلاثة أماكن، -ليس في بلاد السود، بل أيضا في نواحي الصحراء وكل الأراضي الحدودية على الأقل- وهي:
بوتيليميت في موريطانيا، وسان لويس في السنغال، وتمبكتو في السودان، والمناطق ذات التوجهات الإسلامية العميقة، مثل فوتاجاون، في غينيا الفرنسية، كانت على بعد خطوة من الحصول على واحدة من تلك المدارس، بيد أنه تم صرف النظر عن تحقيق ذلك، ولن تحصل عليها، لأن منظمتهم وجدت صيغا جديدة لبقاء هذه المدارس.
لقد تحولت برامجها بالكامل، ولم تعد جامعات إسلامية، بل هي بالضبط ecoles مدارس فرنسية عربية، تتقدم فيها اللغة، والعلوم الفرنسية، خطوة خطوة، على اللغة والعلوم العربية، مثلا تدريس العربية تحررت من المنهج الإسلامي الخالص، وتبين بشكل خاص في صورة شكل الترجمات من العربية إلى الفرنسية، بحيث يكون الفصل العربي، في نفس الوقت فصلا فرنسيا.
ومن ناحية أخرى اللغة العربية، والعلوم العربية والنحو، والعروض، واللاهوت، والقانون، توقفت عن استخدام كل استعمال الزمن المخصص لها، مما يمكننا من القول بأنها موجودة هناك فقط، كرموز، وذكريات، فقد اختلطت في تعليم الفرنسية والقانون، والتاريخ والجغرافية، والحساب، والعلوم العامة.
باختصار أصبح للغة العربية في برنامج المدرسة، نفس الدور والمكانة، التي تتمتع بها اللغات الأجنبية، في برنامج nos lycees مدرستنا الثانوية.
وأخيرا أظهرت التجارب الأخيرة أن هناك سببا لإدخال دراسة اللغات الأهلية في les medrasa المدارس، فأحيانا ما تكون هناك فجوة بين روح لغتنا الفرنسية، وروح اللغات الإفريقية، الشيء الذي يجعل وظيفة المترجم الفوري هنا، أكثر صعوبة، مما قد يعتقده المرء، ويتطلب تدريبا عقلانيا عليه.
ومع ذلك نادرا ما تتاح لتلاميذ nos medarsas مدرستنا، الفرصة، خلال حياتهم، لترجمة المحادثات أو النصوص العربية، ولكن غالبا ما يطلب منهم ترجمة خطابات الأهالي إلى الفرنسية، ولذلك يجب عليهم معرفة لغتنا، بالطريقة التي يفهم بها، من يمتلك القواعد النحوية، والمبادئ اللغوية، ويعرف المنطق الخاص.
ونحن نرى أن تعليم des medersas المدارس، ما يزال في بعض النقاط يختلف أيضا مع des autres ecoles المدارس الأخرى لإفريقيا الغربية الفرنسية A.O.F في التخلص من الطرق والاهتمام المذهبي المحض بالتعليم القرآني.
بالإضافة إلى ذلك يتم تفسير الاختلافات المتبقية، ليس بأسباب سياسية، ولكن بأسباب المهن التي نستهدفها لتلاميذ des medrasas المدارس.
في الواقع، بينما يتعين على مدارسنا ecoles الأخرى ربط التلاميذ بالأرض، أو تعويدهم على العمل اليدوي، أو إعدادهم وكلاء لبعض المصالح التقنية، كالبريد، أو الأشغال العمومية.
فإن les medersas المدارس، تكون بشكل عام المترجمين الرسميين للقضاة، أو وكلاء محاكم الإستئناف الأهلية، أو رؤساء الجمعيات الأهلية، في كلمة: مساعدو إداراتنا وقضاتنا.
لذلك من الضروري أن يكونوا على دراية باللغة الفرنسية، المنطوقة والمكتوبة، وأن يكونوا على دراية تامة بنوايانا الحضارية، وأن يكونوا قادرين على تفسير نص قانوني، والترجمة الدقيقة لتصريحات السكان الأهاليين.
نحن لا نهدف فقط إلى اعتبار les ederasas المدارس، كحلقات دراسية رسمية، مسؤولة عن توجيه الإسلاموية، وتعزيز سلطتنا بنفوذها، ولحسن الحظ فإن ولاء رعايانا الأفارقة، لا يرجع إلى هذه الاحتياطات الصغيرة، لأن موضوعاتنا ليست خطرة، فلدينا كل الفرص لجعلها مفيدة، وربطها بها بقوة من خلال الثقة التي تولد التعاون.
لكن هذا التعاون في النظام الإداري أو القضائي، يفترض أن مدارسنا nos medersas لا تقوم باستقطاب تلاميذها بشكل عشوائي، وإنما تختارهم من نخب اجتماعية.
لقد لاحظنا بالفعل أن هيمنتنا المركزة، لم تعرقل فجأة قوانين المجتمعات الأهلية، بل أبقت على استخدام الطبقات الأرستقراطية حاضرة في جميع هذه البلاد الجديدة بشكل جيد.
أيضا المدارس الثلاث les trois medersas بإفريقيا الغربية الفرنسية A.O.F هي قبل كل شيء مدارس des ecoles لأبناء الرؤساء، أو كل أو بعض الأعيان.
أما مدينة تمبوكتو وهي الأقرب إلى المدارس الجزائرية فتقع في منطقة الحضارة الإسلامية القديمة، وتستقبل أبناء الأمراء أو المرابطين المشهورين من وادي النيجير، إن ولاية بوتليميت التي تم وضعها بطريقة ما تحت الرعاية الأخلاقية للمرابط الشهير الشيح سيديا، تجمع بين أحفاد أعظم عائلات الترارزة، براكنا، ألسَّابا، التي لعبت دورا مهما خلال فترات الاحتلال الفرنسي المختلفة، بعضهم بالفعل قادة منتخبون لقبيلتهم، وصغر سنهم فقط، هو من يمنعهم من ممارسة القيادة الفعالة.
مدرسة medersas سان لويس، التي هي الأكثر أهية على الإطلاق، مأهولة في ظل ظروف مماثلة، تقوم باختيار تلاميذها من بين قبايل أولوف، وتوكولور، والمور والبلهوز، وسيريروز، والمانديكانز، وساراكول، وبامبارى.
اثنان من تلامذتها على الأقل من أبناء الملك ويحتفظان في نهجهما بشيء من العزة الأبوية القديمة، كما تضم أيضا ثلاثة من أبناء سلاطين سابقين لِلُوداية، الذين قضوا بضعة أشهر في ثانوية الجزاير، عهدت بهم إلينا الحكومة العامة لإفريقيا الإستوائة الفرنسية، وهم أيضا من بين التلاميذ الأكثر تميزا، والأكثر طاعة.
وهكذا تحولت les trois medersas المدارس الإسلامية الثلاثة لإفريقيا الغربية الفرنسية.A.O.F وتكيفت مع بقايا حلم سياسي كبير، يستحق الحياة، ولكن المرجح أنه أكبر من أن يقدر على تطبيقه، لتبقى مدارسنا ecoles الفرنسية الجيدة، التي تأسست على مبادئ بسيطة، وخالية من الدوافع الخفية، مكتفية بإعداد مواضيعها، الموالية والمتفهمة، في فرنسا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المقصود بالمدارس عند الكاتب كما في النص، هي التي تعلم العربية وعلومها، وتحفظ القرآن، والعلوم الإسلامية، لذلك وصفها مرة في البحث بالقرآنية، وحرصا منا على تبيان الفرق بين مدرسة الأهالي، ومدرسة الإستعمار، كتبنا الأخيرة “l,ecole” بالحروف الفرنسية، لرفع اللبس بين مدارس الأهالي، ومدارس المستعمر، التي جاءت لتقضي عليها، كما في النص (المترجم).
أنظره في: une conquete morale
ص:112-107 L,enscignement en A.O.F. (1917)
george hardy
مفتش التعليم في إفريقيا الغربية
مدير التعليم العمومي والفنون الجميلة بالمغرب.