الفرحة مستحقة ولها مقتضيات
هوية بريس- ابراهيم أقنسوس
يعتبر الإحتفال بلحظات الفرح، والإستمتاع بها، مهما قلت، أمرا عزيزا ومطلوبا، لا سيما بعد توالي النكسات، وتتابع الخيبات والخسارات، التي تكاد تطول جل المجالات الحيوية في حياة المواطنين والمواطنات؛ غير أن نشوة هذا الفرح المستحق، في مقابلات لكرة القدم، لا يجب أن تنسينا حقيقة الإنتصار، ومعنى الظهور أمام العالمين، في الزمن المعاصر؛ فمؤشرات التنمية، المعتمدة لقياس مستويات تقدم الأمم، لا يوجد ضمنها الفوز في مقابلة لكرة القدم، إذ الرياضة جملة، هي جزء من السياسات العامة للدول والحكومات، والتي تنبني على اختيارات، ثقافية واجتماعية وسياسية، يفترض أن تحتضنها مؤسسات، تستحق هذه الصفة، والعبرة في النهاية بالنتائج، التي تعني، تمكين المواطنين والمواطنات من شروط الحياة الكريمة، عبر الإستجابة لحاجياتهم الرئيسة، في المجالات التي تهم حياتهم، وتخص تدبير عيشهم.
إن الإنتصار في مباريات لكرة القدم، بهذا المستوى الهائل، وبهذه الروح الوطنية المتحفزة، يعني أننا نستطيع أن ننتصر، حين نريد ونبغي حقيقة، ويعني أن أمجادنا وبطولاتنا، ليست بالضرورة خلفنا، كما ألفنا أن نردد باستمرار؛ وهذه الجموع أمامنا، كلها تقول اليوم، في رسالة واضحة، ولا تخلو من دلالة وقوة؛ إنها تريد وتبغي؛ فما الذي يمنعنا من تحقيق نفس النصر، وبنفس الحماسة والمستوى، على كل أعطابنا التي تعوق حياتنا ؟، ما الذي يمنعنا من التوفر على تعليم عمومي جيد ؟، وعلى خدمات صحية عمومية جيدة ؟، وعلى إدارة تليق بهؤلاء المواطنات والمواطنين، الذين يصنعون فرحتهم، وفرحة كل العرب والأفارقة، والعالمين هذه الأيام ؟، ما الذي يمنعنا من التوفر على مؤسسات منتخبة، تحظى بالإجماع، وتضطلع بأدوارها كاملة، وفق ما نتواضع عليه من قوانين ومواثيق، تضمن حدا معقولا من الحكامة والشفافية ؟.
نريد أن ننتصر على غيرنا، في المجالات والميادين التي تعني مستوى حياتنا، ومرافقنا، وشوارعنا، وأزقتنا الخلفية، وحدائقنا، ومستشفياتنا، ومدارسنا، وصحافتنا، وبحثنا العلمي، ونقاشنا الثقافي والسياسي؛ نريد لكفاءاتنا المحلية، أن لا تضطر إلى مغادرة بلادنا، لأننا لم نوفرلها، الشروط اللازمة والموضوعية، للبحث والإبداع؛ نريد لطاقاتنا الوطنية، وفي كل المجالات، ومنها الرياضية، أن لا تهجرنا، ليستنزفها ويستفيد منها، هؤلاء الذين كشفوا لنا، أنهم يكرهوننا، وأنهم إنما يريدون خيراتنا وثرواتنا، كما اعتادوا وألفوا، وأنهم يريدوننا متخلفين، ليتصدقوا علينا، ببعض مما سرقوه منا.
إن الإنتصار كل لا يتجزأ، وإلا تحول إلى طفرات خاطفة، وإلى لحظات عابرة، سرعان ما تمر، ويخبو لهيبها العاطفي، لتعود الأمور إلى سابق عهدنا؛ ولنا أن نتذكر، أننا سبق وعشنا نفس اللحظات من الفرحة العارمة، إبان تأهل منتخبنا في أعوام خلت، إلى دور الربع؛ فما الذي حدث ؟؟، وما نوع التحليل الذي يمكن أن ندلي به هاهنا ؟؟. إنها فرحة مستحقة فعلا، وستكون كذلك حقيقة، حين تأتي معها مقتضياتها وتوابعها، التي تعني توفير شروط التقدم، اللازمة والضرورية، والبدء من حيث يصح أن يكون البدء.