الفرق الدقيق بين الطالب العصري والطالب العتيق
محمد أمين بن عبد الله التزنيتي
هوية بريس – الجمعة 27 ماي 2016
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
لـمَّا نظرتُ فـي أحوالِ المعلِّمين والمتعلِّمينَ بالجامعةِ المغربيةِ والمدرسةِ العتيقةِ اكتشفْتُ علةً خفيةً وأحسسْتُ بداءٍ شديدٍ كادَ يفتِكُ بالطَّلبةِ صغارًا وكبارًا، ذكورًا وإناثًا. فأحببْتُ أنْ أكتبَ لـهم رسالةً موجزةً أصفُ فيها دواءً عسى أنْ يُعالـجُوا أنفسَهُم، ويستدرِكُوا ما فاتَـهم، وأنا واحدٌ منهُم. ولعلَّ اللهَ أنْ يُنْزلَ علينَا شفاءً عاجلًا لا يغادرُ سقمًا يُبرئُ الصغيرَ والكبيرَ.
وأمَّا عنْ منهجِ الرسالةِ فقدْ سلَكْتُ فيهَا طريقةَ الإمامِ القرافـيِّ في ملاحظةِ الفروقِ الدقيقةِ وسـمَّيتُها بـ”الفرْقِ الدقيقِ بينَ الطالبِ العصريِّ والطالبِ العتيقِ”. بيَّنتُ فيها أولًا طبيعةَ نظامِ التحصيلِ والتفكيرِ والاشتغالِ، وثنَّيتُها بطريقةِ المعالجةِ والانْتِظامِ. سائلًا المولـى الشفاءَ واليُسْرى ورفعَ الداءِ والبأْسِ والعُسْرى.
* أولًا: فـي طبيعةِ نظامِ التفكيرِ والاشتغالِ.
حتَّـى أقرِّبَ لـحَضَراتِكُم هذا الفرقَ الدقيقَ سأشبِّهُ كلًا من الفريقَيْـنِ بالحاسوبِ، فأقولُ في الأولِ: أمَّا العصريُّ فيـَحتوي حَاسُوبُه -أي دماغه- على ملفاتٍ منظمةٍ ومرتبةٍ ترتيبًا حسنًا وكلُّ ملفٍ لهُ موقعٌ خاصٌ ويـتمَيَّزُ عن غيرهِ بعنوانٍ بارزٍ. ولكنَّ الباحثَ في هذا الحاسوبِ عندمَا يَـنْقرُ أيَّ نافذةٍ “ملفٍ” يُفاجأُ بأنَّـهَا فارغةٌ منَ المحتوياتِ والمضامينِ. فتظهرُ لهُ على الواجهةِ رسومٌ وأشكالٌ بدونِ مضامينَ ومحتوياتٍ.
أمَّا الطالبُ العتيقُ: فنقيضُ الأولِ تمامًا لأنَّ ذهنَه مليءٌ بالعلمِ والمحفوظاتِ. ولكنَّ ملفاتِ الحاسوبِ عندَهُ مبعثَرةٌ ومشتَّتةٌ وبـمجرَّدِ أنْ ينْقرَ الباحثُ نافذةً للبحثِ في ذاكرتهِ سرعانَ مَا تنفجرُ عيونًا وأنهارًا منَ المعارفِ المختلطةِ لَا يكادُ يـجمعُ بينهَا رابطٌ ولا صلةٌ. وقدْ تنهمرُ مع العيونُ بعضُ المعارفِ العَلِقةِ العَاريةِ لَا سياقَ لـهَا ولا مناسبةَ ولا وظيفِيَّةَ إلَّا أنَّـها حجزتْ مساحاتٍ كبيرةً في ذاكرةِ العتيقيِّ.
* ثانيا: فـي طريقةِ المعالجةِ والانْتِظامِ.
الأولُّ يـحتاجُ لعلاجِه وإنقاذِ نفسِه من الخواءِ والفراغِ زمنًا طويلًا ليَمْلَأَ جُعبتَهُ علمًا ومعرفةً. والثانـي يـحتاجُ فقطْ إلى وقتٍ قصيرٍ قدْ يستغرِقُ أيَّامًا وشهُورًا معدودةً فـي دوراتٍ تكوينيةٍ خاصةٍ ومكثفةٍ حتَّـى تنتظمَ أفكارُهُ بالمنهجِ وتُرتَّبَ معارِفُه في الذهنِ، ثم يُدرَّبَ مدةً على طُرقِ استثمارِ المعرفةِ والقياسِ عليهَا وكيفيَةِ توظيفِهَا لبناءِ منظومةٍ من المعارفِ والأفكارِ الجديدةِ.
هذا واللهَ أسألُ التوفيقَ والهدايةَ والسدادَ.
آخر اﻷخبار