الفرنسية لغة الانفتاح!!
هوية بريس – أشرف راس
“لي عندو جوج عينين حسن ملي عندو وحدة”، “نعرف جوج لغات احسن لي من وحدة”، “نعلم ولدي الفرونسي باش ينفاتح على العالم”، “نعلم ولدي الفرونسي باش ما يلقاش مشكل في الخدمة ملي يكبر”…
هذه مجموعة عبارات موضوعية تمثل خلاصة الإجابات المباشرة للمغاربة حين يُسألون عن واقع التعايش مع اللغة الفرنسية في المغرب. وهذه الإجابات على بساطتها فهي تنسِف سلاسل طويلة من التحليلات والكلام الذي يحاول إقناعنا بأن الفرنسية ظاهرة استعمارية وجب التخلص منها وغير ذلك من الكلمات المكررة التي ملّها المُلقي والمتلقي.
سبب كل هذا أن هذه العبارات سهلة بسيطة واضحة ومعقولة يسمعها العقل المغربي فيسجلها فورًا ضمن بديهياته ومسلماته دون طلب برهان، أمّا ما قد يعارضها من حجج فغالبا ما تستلزم شرحًا إضافيًا وتفسيرًا لتوضيح صحّتها، الشيء الذي لا يملك له العامّي المغربي وقتًا. لكن ما دمنا هاهنا في جلسة حوار دعنا نستقرئها في عجالة لنرى أهي فعلا حق أم أنها تخفي شيئا من الباطل؟
اللغة العربية بفضل شعبها ومنّتهم عليها بقيت محدودة في كتب الفقه والتاريخ واللغة والشعر والأدب، ولا تخلو مكتبتها من مئات الكتب في مواد علمية وتِقانية لكنها غير كافية لسدّ الفجوة، أمّا الفرنسية بفضل شعبها وبعض من شعبنا فمكتبتها العلمية والتِقانية أكبر وأوسع، وفيها (قد) يجد الباحث ما يحتاجه من مراجع ومعلومات، وهذا ما يجعل عبارتنا السابقة “الفرنسية لغة انفتاح” تبدو صحيحة، لكن لعلك لاحظت بأنني أدرجت الحرف قد بمعنى التشكيك حين قلت قد يجد الباحث في المكتبة الفرنسية.. ذلك لأنك كلّما تعمّقت في بحوثك العلمية أكثر، واجهك شحّ الموارد وقلّة دقّتها وما تزال كذلك حتى تمتطي صهوة فرسك الانجليزي إن كان لك واحد.
هنا تبدأ بوادر الباطل في العبارة تظهر، لغة الانفتاح المزعومة صارت إذن قاصرة مع وجود البديل، وما دامت كذلك فهي إذن تحجب عنك الانفتاح.. أليس كذلك؟ تخيل معي شخصًا يعلمك سياقة دراجة نارية لتسافر بها عبر المدن، ويخفي عنك السيارة (عن قصد أو جهل) فإذا بك أنت وسط الطريق تجد نفسك عاجزا عن الإكمال بدراجتك النارية في حين أن الناس كثير منهم يستعمل السيارة، فتقول في نفسك لولا أنه علّمني سياقة السيّارة لكان أفضل، أو على الأقل لو أنّه تركني أستكشف الأمر بنفسي فأتعلم الذي يناسب متطلبات سيري سواء أكانت دراجة أم سيّارة أم طائرة.. إذن فهذا الشخص قد حجب عنك المعرفة فجعلك تظن (عن قصد أو جهل) أنّ الدراجة النارية هي الوسيلة الوحيدة للسفر وتركك تكتشف عدم جدواها بنفسك بعد أن صرت في منتصف الطريق، أو بعد أن استسلمت فلم تصل. إذن فهذا علم جعلك تظن أنك عالِم فحجب عنك علمًا أنت في حاجة إليه، ولو أنك لم تدرس هذا العلم حتى تمعّنت في العلوم المتاحة لتنتقي منها العلم الذي ينفعك فعلا في مسعاك لكان ذلك خيرًا لك.
إنّ الفرنسية بعكس ما هو سائد تحجب عنّا الانفتاح، فلو اخترع ألماني شيئا ووثقه بلغته الألمانية طبعا، فنحن لن نعرف بشأن ذلك الاختراع حتى يصل إلى الفرنسيين ويفهموه ويستخدموه ويترجموه إلى لغتهم على حسب سعة فهمهم ونظرتهم إلى ذلك الشيء، وعندها فقط نطّلع عليه نحن المغاربة بعد أن مضى عليه بعض الزمن، كما أننا لن نفهمه إلا من وجهة نظر الفرنسيين ولن نعرفه إلا بالمسميات التي أطلقوها عليه، فلو شئنا معرفة المزيد عنه مما لا يتوفر لديهم استعصى علينا الأمر.
إن الفرنسية جدار كبير نُصب أمامنا يحجب عنّا التطلّع إلى العالم، إذ يقولون لك اقبع خلف هذا الجدار وانتظرنا سنرمي لك كلّ ما جدّ جديد في الدنيا (طبعا بعد استهلاكه)، واحذر أن تحاول التخلي عن هذا الجدار فلن يصلك بعدها شيء وستنغلق على نفسك وتموت جاهلا، وهذا خطأ لأنك لو تخلّيت عن الجدار فسترى عالما مدهشا لم تكن تعرف عنه شيئا، وستفهم حينئذ أنّه كانت تصلك علوم “البال” المستهلكة والمترجمة على حسب ما فهمه الفِرَنسَة منها. فهنيئا لنا بعلوم “البال” ولننتظر أن يفهم الفِرنسة العلوم كي يفسّروها لنا على طريقتهم، فإن هي لم تصلهم أو لم يفهموها ضاعت عليهم وعلينا بسببهم.
لماذا يا ترى ألفنا العيش تحت رحمة غيرنا؟ لماذا نخجل من الظهور إلى العالم بوجهنا الأصلي كما نحن؟ لماذا نخاف الخروج إلى العالم دون قنطرة فرنسية؟ فماذا لو كنتُ أعرف أنني مسافر ذات سنة إلى البرازيل مثلا لأعيش فيها بقية حياتي أليس الأحرى بي تعلم الإسبانية عوض الفرنسية؟ ماذا لو كنت أريد التخصص في علم لا يعرفه الفرنسيون البتة؟ علم أو فنّ أبدع فيه اليابانيون مثلا دون غيرهم؟ لماذا علي أن أدرس الفرنسية أكثر من 12 سنة وأنا أعلم أنني لن أحتاجها لأن وثائق هذا العلم أو الفن باليابانية فقط، أليس الأحرى بي أن أدرس اليابانية؟ وذاك صديقي يدرس الألمانية ليبدع في مجاله، والآخر يدرس الإنجليزية ليبدع في مجاله والآخر الإيطالية والآخر والآخر.. كلّ يدرس اللغة التي يحتاجها في تخصصه، فتهبّ علينا العلوم والفنون والتِقانات من كلّ حدب وصوب، ويصير لدينا خليط إمكانيات لغوية في المغرب يجعلنا على أهبةٍ لرصد كلّ جديد حال ظهوره في بلده الأصل دون أن يمرّ عبر أدمغة وسيطة ترشّحه لنا وتأوّله؟ ثم بعدها يجود علينا علماؤنا هؤلاء بترجمة أو تأليف كتب لهذه العلوم إلى لغاتنا المحلية ليسهل علينا الوصول إليها بعدهم. فأكون بذلك تعلّمت اللغة أو اللغات التي تنفعني حقّا ووفّرت إرثا من الكتب يستفيد منه الخلَف من بعدي دون أن يتخلوا هم أيضا عن تعلّم اللغة الأجنبية التي تنفعهم.
قد تسأل كيف للدولة أن تُدرّس كلّ هذه اللّغات؟ أجيب أن هذا ليس من واجباتها، فالدولة تعلّمك اللغة المحلية فقط، والمدارس الخاصة والمعاهد هي مكان تعلّم اللغات، ولك فيها أن تختار اللغة التي تبغي، إنجليزية كانت أو إسبانية أو إيطالية أو حتى فرنسية، على حسب المستقبل الذي تراه لنفسك، فاللغة لن تستغرق منك أكثر من 6 أشهر أو سنة أو سنتين أو ثلاث سنوات على الأكثر بالنسبة للعقول البطيئة. وبهذا تكون الحكومة قد ألقت من على عاتقها حملا لغويا يرهقها، ونكون قد نشّطنا تجارة جديدة بزيادة الطلب على المعاهد وعلى أساتذة لغات العالم. ولن يخسر المستهلك شيئا فأجرة الساعات الخصوصية في الفرنسية هي نفسها أجرة إدخال ابنه إلى المعهد مع أفضلية تمكينه من اختيار اللغة أو اللغات التي تناسبه.
إنّي أرى أن الفرنسية سبب البلاء، والدولة تنفق عليها أموالا طائلة، لو أنّ أموالها أنفِقت على المكتبات وتمويل الأبحاث لكان خيرًا، إني أرى أن الحكمة في أن تتخلى الحكومة عن تدعيم الفرنسية وأن تترك هذه المهمّة للمدارس والمعاهد، وأن تكتفي بتوفير المقررات باللغات المحلية وهي العربية والأمازيغية. ومن أراد أن يتعمّق ويزيد في مداركه فتلك مسؤوليته أمّا مسؤولية الدولة فدعمه ماليا ومعنويا دون أن تملي عليه أو تفرض عليه ما سيحتاجه في مسيرته العلمية المظفرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مهندس وطالب دكتوراه في المعلوماتيات.
و الله صدقت لكن يصعب فهم تشبث الدولة باللغة الفرنسية،مما يطرح التساؤل هل يوجد بند أم ملحق سري في اتفاقية ايكس ليبان أم ماذا؟ اليابان تترجم و أمريكا تترجم و المغرب ينتظر فضلات فرنسا،،،،،
لا يصعب فهم سبب تشبث الدولة باللغة الفرنسية، لأن أكثر المسؤولين في هذا البلد
سيحرجون أنفسهم إن غيروا وجهتهم إلى الإنجليزية لأن مستواهم اللغوي هزيل على الراجح. مع أن الأكثر إحراجا في المشهد كله أن تجد عربيا لا يعرف العربية ويرتكب أخطاء فظيعة في النحو. إنها الهزيمة النفسية يا قوم! وكما قلت لكم: نحن بلد مستعمر، فلذلك لا داعي للاستغراب.
zou sué fierr dou twa moun fiss (mwa je france à la marocaine, seuls ceux qui francent français sont cools, la classe!)