“الفساد لا يرى”.. ردي على تصريح السيد وزير العدل

15 نوفمبر 2025 18:28

هوية بريس – الاستشارية زينب محمد فايز

السيد الوزير،

إن محاربة الفساد ليست شعارا ولا مزاجا، بل هي سياسة عمومية تبنى على الأدلة، والمحاسبة، والشفافية. ومن هذا المنطلق، فإن القول: “لي شاف فيكم الفساد يجي يعكر ليا“، يطرح إشكالات عميقة من زاوية القانون الدستوري والحوكمة الجيدة.

أولا: الفساد فعلا لا يرى بالعين، لكنه يرى بالأرقام والمؤشرات والوقائع
الفساد ليس ظاهرة مرئية، هذا صحيح.
لكن عدم رؤيته بالعين لا يعني تعطيل الأدوات التي وضعت قانونيا لاكتشافه.
الإثراء غير المشروع ليس اتهاما جاهزا، بل آلية رقابية معمول بها في عدد من الديمقراطيات التي تجاوزت مرحلة الحديث الانطباعي إلى القياس والمساءلة.
الدول التي تحارب الفساد لا تنتظر “من يشوف بعينه”، ولا تعتمد على الانطباعات.
بل على:
التصريح الإجباري بالممتلكات
التتبع المالي
تضارب المصالح
المساطر القضائية الواضحة
حماية المبلغين
هذه ليست كماليات… هذه أسس دولة حديثة.

ثانياً: الخوف من الشكايات الكيدية لا يلغي القانون… بل يتطلب تحسين صيغته
كل قانون في العالم قد يساء استخدامه،
لكن الحل ليس إلغاؤه،
بل تقويته بضمانات:
عدم تحريك المتابعة إلا من جهة رسمية مختصة
حماية الموظف من الوشاية
الاعتماد على دلائل مالية لا على أقوال الناس
ربط المسار المالي بالتصاريح الدورية
بهذه الضمانات يتحول القانون من “خطر على الموظف” إلى “حماية للمرفق العام”.

ثالثاً: عبارة “جي يعكر ليا” لا تتناسب مع مقام مؤسسة دستورية
السيد الوزير،
اللغة التي تستعمل داخل البرلمان ليست مجرد كلمات عابرة، بل رسائل سياسية.
وعبارة “يعكر ليا” قد تفهم -عن قصد أو بدون قصد- وكأن الوزارة ملكية شخصية، أو وكأن المساءلة إزعاج، مع أنها جوهر الديمقراطية.
البرلمان مكانا لممارسة الرقابة التي هي أهم من التشريع نفسه.

رابعاً: الدستور واضح… والمحاسبة ليست اختيارية
الفصل 36 من الدستور ينص صراحة على:
تجريم الإثراء غير المشروع
ربط المسؤولية بالمحاسبة
حماية المال العام
فكيف يسحب قانون الهدف منه تطبيق نص دستوري صريح؟
إذا كانت الآليات غير كافية، يتم إصلاحها… لا سحبها.

خامساً: الموظف الشريف لا يخاف من القانون… بل من غيابه
الموظف الذي يخدم الوطن بشرف يستحق حماية قانونية،
وحمايته الحقيقية ليست في تقليص أدوات المراقبة،
بل في تحديدها وتنظيمها حتى لا تختلط الشكاية الكيدية بالمساءلة الحقيقية.
الخلاصة
السيد الوزير،
الفساد لا يرى بالعين، نعم…
لكن آثاره ترى، وتقاس، وتكلف هذا الوطن الكثير.
وإذا كانت الشكايات الكيدية مشكلة، فالقانون يعدل، لا ينسف
هذا الكلام ليس مزايدة فارغةبل
هو دفاع عن مبدأ:
دولة القانون لا تبنى على النوايا، بل على الأدوات.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
8°
19°
السبت
20°
أحد
20°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة