الفصل 267 من القانون الجنائي.. لكل متطاول عقاب
هوية بريس – عبد الله النملي
عمّت مواقع التواصل الاجتماعي بالمغرب، ليلة الاثنين الماضي، موجة غضب عارمة، على خلفية تدوينة بنبرة إلحادية، وضعتها أستاذة متطرفة تنتمي لحقل التعليم، على حسابها بالفايسبوك، تسيء للرسول صلى الله عليه و سلم. وطالب نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بتدخل عاجل من طرف السلطات لاعتقال المعنية بالفعل الجرمي وجعلها عبرة لكل من سولت له نفسه التطاول على المقدسات والتوابث والنيل من نبي الإسلام ومن أزواجه أمهات المومنين، في بلد يدين أهله بالإسلام منذ 14 قرنا من الزمان، بعد أن اعتبرت أن السيرة النبوية هي سبب انتشار ظاهرة ” الميمات ” في المجتمع المغربي، وأكثر من ذلك لما طلب منها التراجع عن استهداف سيد الخلق صلى الله عليه وسلم وعدم التعريض به في تدوينات عمدت إلى لعنه !. وانتشر على نطاق واسع هاشتاغ ” معاقبة المتطاولة على نبينا ” وتدوينات كثيرة غاضبة تطالب بتطبيق الفصل 267 من القانون الجنائي المغربي الذي يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين كل من ” أساء إلى الدين الإسلامي أو النظام الملكي أو حرض على الوحدة الترابية “. ولم تكد تهدأ فضيحة التدوينة المسيئة لسيد الأولين والآخرين حتى طلع علينا محتوى رقميا آخر منشورا على مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فيه ممثل مغربي في وضعية غير طبيعية، في بث مباشر بإحدى المجموعات الفايسبوكية، وهو يسيء للدين الإسلامي ويمس بحرمة العبادات، ويستعمل ألفاظا خادشة لوصف محراب المسجد والإمام والخطيب بأقبح النعوث، كما تحدث بازدراء عن الصلاة عندما دعا إلى التوضؤ بالخمر، في مشهد بعيد كل البعد عن عقيدة المسلم.
والغريب في الأمر أن كُلاّ من المُتطرفة والمُمَثّل المخمور وجدا من شيعتهما من يؤيدونهما على تطاولهما ويدافعون عنهما بحجج واهية، ثم رأينا تضامن بعض الجرائد الإلكترونية معهما، ووصفهم لكل منتقديهما بالدواعش !. ولعل هذه التصريحات الخطيرة، كانت كافية لتجعل منهما حديث الخاص والعام، في المجالس ومواقع التواصل الاجتماعي، وتفتح نقاشا ساخنا حول المقدسات ووجوب احترام الإسلام و مقام الأنبياء. وكما تجرأ الخلق على الخالق وآذوه ونسبوا إليه النقائص والعيوب، تجرؤوا على الإسلام والعبادات و أنبياء الله حتى أصبحت الإساءة للإسلام والنيل من رموزه في هذا الزمان سمة سيئة ما تلبث أن تتكرر بين حين وآخر، إما تعبيرا عن حقد دفين وبغض عميق لهذا الدين العظيم، وإما كسبيل للشهرة والمجد الزائف للفاشلين أو المتعثرين أو ممن يعانون أزمات نفسية. فلا يمكن لمسلم، ولا لغير مسلم، صحيح النفس، أن يقبل إساءة لدينه ولا إهانة لنبيه، والمسلمون بالذات لهم موقف شرعي متسق، أصل إيمانهم هو الاعتقاد برسالة النبي الخاتم، وبكل أنبياء السماء، لا نفرق بين أحد منهم، وهم لا يقبلون الإساءة للنبي موسى، ولا للنبي عيسى، ولا لأي نبي من أنبياء الله، ولا يصح لأي أحد أن يطعن في العبادات و الأنبياء بدعوى حرية التعبير، ولا يصح الاحتجاج بحرية التعبير كأساس لتبرير هذه الأفعال المنافية للدين والقانون، فليس هناك حرية تعبير مطلقة، أو بغير سقف في الدنيا كلها، وثمة قوانين تعاقب على جرائم النشر والتصريح في أكثر الديمقراطيات تقدما.
ولا يحتاج الأمر لكثير من العناء لإظهار فظاعة الجريمة المُقترفة، ذلك أن الإهانات الوقحة المتكررة الموجهة لشخص للإسلام و النبي الكريم، تمثل محاولة لاستفزاز المشاعر الراسخة للمسلمين، فالاعتداء على المقدسات الدينية لا يندرج تحت مسمى الحرية، بل هو وجه من وجوه الاعتداء على حقوق الإنسان بالاعتداء على مقدساته. ومنذ قرن من الزمان شاعت عند الغربيين عبارة للكاتب روبرت هابنلاين (Robert Heinlein) الذي قال “حقك في أرجحة قبضتك ينتهي حيث تبدأ أنفي “. ويصوغها بعضهم في شكل طرفة يصور فيها رجلا يتثاءب ويتمطى على مقعده بحديقة عامة، فيفرد يده بكل قوة لتستقر في أنف جاره الغافل، والذي ما أن رقأ دمعه، وذهب احمرار وجهه، واختفت أصداء صرخته، حتى قال لجاره: يا عزيزي لقد هشمت أنفي ! “. وحتى لا يحدث مثل ذلك، وضع الحقوقيون قوانينهم الوضعية لتكفل عدم المساس ببعض تلك الحريات البدهية، وإن أدى الأمر إلى منع الحرية عن طريق الحبس لأولئك العابثين بالحريات. فاحترام الإسلام و الأنبياء قضية محل اتفاق، لذلك يمكن تفعيل الاستفادة من القوانين لتقريرها وعقاب من يخالفها. وفي هذا الصدد، قضت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان، في حكم تاريخي، بتجريم الإساءة للرسول محمد، ورفضت إدراج الحط من قدر المقدسات بعمومها ومنها العقيدة الإسلامية ضمن حرية التعبير والرأي، لتؤيد بذلك حكم المحكمة الجنائية الإقليمية في فيينا بالنمسا التي كانت صاحبة السبق في رفض السماح بالطعن في النبي محمد، واعتبرته تجاوزا لحدود الحرية المكفولة للأشخاص، ويدخل ضمن نطاق الاستهزاء المجرم.
وتحضرني في هذا الإطار قصة الثعبان الذي قرر يوماً أن يتوب ويكف عن إيذاء الناس وترويعهم، فذهب إلى حكيم يستفتيه فيما يفعل، فقال له الحكيم: انتحي من الأرض مكاناً معزولاً، واكتفي من الطعام النزر اليسير. ففعل الثعبان ما أُمر به، لكن قض مضجعه أن بعض الصبية كانوا يذهبون إليه ويرمونه بالحجارة، وعندما يجدون منه عدم مقاومة كانوا يزيدون في إيذائه، فذهب إلى الحكيم يشكو إليه حاله، فقال له: انفث في الهواء نفثة كل أسبوع، ليعلم هؤلاء الصبية أنك تستطيع رد العدوان إذا أردت،. فعمل بالنصيحة وابتعد عنه الصبية. وعاش بعدها مستريحاً من عبث الصغار به. هذه القصة المعبرة تؤكد أن “من أمن العقوبة أساء الأدب “، فماذا لو كانت السلطات في بلادنا، لديها من القوانين ما يكفي لحكم أهل البلاد جميعا، ثم تظل هذه القوانين غير مطبقة. هذه هي الحالة التي أطلق عليها أستاذ العلوم السياسية “ميرالد” اسم “الدولة الرخوة”، ويقصد بها الدولة التي تصدر القوانين ولا تطبقها، وهي دولة تضع قوانين متقدمة، وتطبعها في كتب، ثم تبقى بلا جدوى في حياة الناس، بمعنى آخر تظل حبرا على ورق. ونعرف جميعاً أن الهدف من العقوبة هو الردع والتخويف من شيء ما، حتى لا يتكرر و يتفشى، وتقال لمن يتجاوز حدوده بالتصرف مع أو التعدي على الآخرين دون الخوف مما قد يردعه من عقاب أو حتى توبيخ، ذلك أن الإساءة للإسلام ورسوله الكريم دون رادع أو زجر له تداعيات خطيرة، فضلا عن أنه لا يوجد عامل في نشأة الإرهاب أقوى من عامل الإساءة للدين ورموزه.