الفقه المالكي في تاريخ الدولة المغربية (الجزء الثاني)

الفقه المالكي في تاريخ الدولة المغربية (الجزء الثاني)
هوية بريس – محمد زاوي
ثانيا؛ تشكل مؤسسة فقهاء المالكية
يلتقي تطور حركة المرابطين مع موضوع الفقه المالكي، في ثلاث نقط أساسية:
– التمهيد للحركة: فقد كانت “الرسالة” في الفقه المالكي، بمختلف فروعه (العبادات، المعاملات، النكاح والجنايات)، أحد أبرز مراجع الالتحام من جديد على النقيض من الفوضى التي كانت سائدة في ذلك العصر، أي قبل تأسيس دولة المرابطين. بل إن صاحبها (الرسالة)، ابنَ أبي زيد القيرواني، كتبها لغرض إصلاح سلوك الناس وجمعهم على الشرعي من العبادات بدل بدعيها. ولم تقتصر مبادرة القيرواني على كتابة الرسالة فحسب، بل دعمها بفتوى استنكر فيها كل أشكال “سفك الدماء وتعصب القبائل بعضهم على بعض”. فكان النصف الثاني من القرن الرابع الهجري زمنا مفصليا في تاريخ المغرب، بسبب ما خلفته هذه الفتوى من رغبة في الإصلاح لدى المغاربة، وبسبب الدور الذي لعبه تلاميذ ابن أبي زيد القيرواني في نجاح وتوسع الدعوة المرابطية. “فالذين كاتبوا المرابطين في الصحراء من فقهاء درعة وسجلماسة يحثونهم على القدوم إليهم وتخليصهم من جور زناتة، لم يكونوا بعيدين عن تأثير ابن أبي زيد، والذين هاجروا إلى المرابطين والتحقوا بهم من فقهاء سبتة مثلا لم يسلموا من تأثير القيرواني”. (امحمد جبرون، تاريخ المغرب الأقصى: من الفتح الإسلامي إلى الاحتلال)
– إمداد الحركة بمؤسسها الروحي: إذ كان عبد الله بن ياسين، مؤسس الدولة المرابطية، مالكي التكوين وتلميذا في رباط وجاج بن زلو اللمطي. وبتوجيه من أبي عمران الفاسي أوفده شيخه وجاج رفقة يحيى بن إبراهيم الكدالي، رئيس الملثمين بصنهاجة جنوب الصحراء، ليعينه على إصلاحهم ونشر الدعوة المالكية فيهم.
– تكوين مؤسستها الإيديولوجية: المسماة “مؤسسة الفقهاء”، وجد فيها المرابطون “المؤسسة الأساسية التي تضفي على سلطتهم الشرعية السياسية اللازمة. وقد كان يمثل هذه المؤسسة في المغرب الفقيه مالك بن واهب، وفي الأندلس الفقيه ابن حمدين” (عبد اللطيف أكنوش، نفس المرجع السابق، ص 72).
وبلغ فقهاء المالكية شأنا عظيما في عهد المرابطين، حتى أن أمراءهم لم يكونوا يقربون إلا “من علم الفروع، فنفقت في ذلك الزمان كتب المذهب، وعمل بمقتضاها، ونبذ ما سواها، وكثر ذلك”. (عبد الواحد المراكشي، المعجب في تلخيص أخبار المغرب/ من المرجع السابق لنجم الدين الهنتاتي، ص 21).
*ثالثا؛ تراجع الفقهاء لصالح الأصوليين:
وذلك بتولي الموحدين حكم المغرب، وإنتاجهم “معارضة منهجية وممنهجة ضد نظرية الفقهاء المرابطين في ميدان التشريع”، أي على النقيض من الوساطة التي كان يحتلها الفقهاء بين الشرع وعامة الناس؛ النصوص من الكتاب والسنة بدل مختصرات الفقهاء، فتح باب الاجتهاد بدل إغلاقه، الأصول قبل الفروع، الاجتهاد لا التزام مذهب بعينه؛ بهذه العدة واجه ابن تومرت “فقه المرابطين”. (عبد اللطيف أكنوش، نفس المرجع السابق، ص 78).



