في سياق الحديث معه عن مطالب أصحاب القراءة الحداثية للنصوص الشرعية، وهل من الممكن تغير الأحكام الشرعية بحجة تغير الواقع والظروف الاجتماعية؟
سألت الشيخ أبا الطيب مولود السريري عن مطلب تغيير أحكام الإرث الذي يطالب به عدد من العلمانيين في المغرب، بل وانضم إلى جوقتهم المجلس الوطني لحقوق الإنسان في توصية له -بالرغم من أنه مؤسسة رسمية-؛ وذلك في إطار الخضوع إلى منظومة الحقوق الكونية عند الغرب والمساواة بين الجنسين، فهل يمكن تغيير حكم “للذكر مثل حظ الأنثيين”، في ظل أن المرأة خرجت هي الأخرى للعمل وصارت تنفق مع الرجل؟!
فأجاب الشيخ: أولا يجب أن نعلم أن كلمة التغيير تعني النسخ، والنسخ لا يمكن أن يقع بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، بعدما مات النبي صلى الله عليه وسلم انتهت الأحكام، ولم يبق لأحد بعد موته أي تغيير أو تبديل أو شيء من هذا القبيل.
القضية التي ستقع في الدين معروفة، إن وافقت شرع الله فلك الأجر والثواب، وإن عصيت دين الله فعليك الإثم وما ينتظرك عند الله والله أعلم، لا نحكم إلا بما اقتضته الأوصاف التي تتعلق بالفقه.
قضية الإرث، يقولون بأن الأوضاع تغيرت وأن النفقة تغيرت، متى يسمى هذا الحكم تغير؟ إذا جاء دليل شرعي وقال إن على المرأة أن تنفق، أما ما دام حكم النفقة مستمرا على الرجل، وما دام الوجوب على الرجل، وما دام هذا الحكم على رقبته إلى يوم الدين، فهذا الذي تنفقه المرأة ليس نفقة بمعناه الفقهي هنا، إنما هي صدقة، إنما هي تبرع؛ هذه لا تسمى نفقة التي يذكرها الفقهاء في باب الأحكام، بل تسمى تبرعا وصدقة وعطية، هذه هي الأسماء الحقيقية لها إذا نظرنا إليها بميزان الفقه، لأن معنى أنها تنفق، لابد أن يأتي دليل شرعي ويقول لها بأن هذا الذي تعطيه نفقة الزوجة، وهل يوجد هذا الدليل؟!!
إن مما يستغرب في هذا أن الناس لا يستحضرون الحقائق الشرعية، قصارى الأمر أن المسألة إذا عرض لهم فعلها ولو كانت مجردة من صورة الحقيقة الشرعية فإنهم يبنون عليها الأحكام، فيقولون هذه نفقة!! المرأة لا تنفق، والنفقة التي تعطي ليست النفقة التي يعطيها الرجل، هاته لها حكم وهاته له حكم آخر، هذه لها اسم وهذه لها اسم آخر، هذه تسمى النفقة الواجبة على الزوجة، وإذا أعطت المرأة شيئا يسمى تبرعا، يسمى صدقة، لا نسميه نفقة على الأولاد وعلى الزوج.
إذا أردنا أن نغير حكم الإرث ينبغي أن يتغير حكم الله في النفقة.. ومن يستطيع تغيير هذا الأمر إلا الله؟ من يستطيع أن يغير ما وقع في الشرع إلا الله؟ فلذلك دائما الحقائق الشرعية تبقى، فإما أن تطاع فيكون لك فيها الخير والثواب وإما أن تعصى فتقع فيما يقع فيه أصحاب العصيان.
قضية التسوية بين المرأة والرجل في الإرث، هذا كلام ليس المقصود منه أبدا أننا نسعى في مصلحة المرأة، ولا أننا نزن بميزان العدل، لأننا لو كنا نزن بميزان العدل لنظرنا نظرة المنصف إلى سبب وجود هذا النوع من الأحكام الشرعية؛ فالرجل ملزم بكثير من الواجبات، وملزم بكثير من الحقوق، أن تقول إنه لا يجب عليه، أنت لا تحاسبه، أنت لا تستطيع أن تقول إنه لا يجب عليه، لأنك لا تحاسبه، عندما يحين يوم حسابه، يحاسبه الخالق سبحانه، هذه قضيتنا، هذه عقيدة كل مؤمن بالله، ومؤمن برسوله صلى الله عليه وسلم، يعتقد هذا جازما، فإذا أنت قلت بأن هذا الشخص الآن يساوي هذه المرأة، تساويه في ماذا؟ يمكن أن نسميه مساويا لهذه المرأة لو قدر أن هذا الرجل سيسقط عنه هذا الحق في الدنيا والآخرة، فما دام هذا الحق على ظهره، وما دامت هاته الواجبات يسأل عنها، وما دام هذا الأمر فيه حساب في الآخرة وهذه عقيدتنا والحمد لله، وما دام هذا الرجل سيتابع بذلك في أمور دينه، فكيف تقول بأن الأوضاع تغيرت، وما الذي تغير؟ تغير الشكل وبقي حكم الله كما كان.
قضية الميراث لا سبيل إلى الحديث فيها، هي فريضة من الله، ثم إننا نتعبد الله تعالى بما أنزل، والأمور الشرعية لم تنزل كلها من أجل أن نخضعها للمصلحة النفسية والهوى، فيها ما هو للابتلاء والتعبد، الله سبحانه وتعالى قال: “ليبلوكم أيكم أحسن عملا“، فالمرأة التي تقدم على اتباع مثل هاته الآراء وتأخذ هذا المال تسمى سارقة، لا يمكن أن تسمى إلا غاصبة، هذا الوصف هو الذي يرد عليها شرعا، ولو سماها الناس وارثة، هذه مسألة لغوية، أما هي في الحقيقة فهي غاصبة، حتى أنه لو وجد قانون يقول بتسوية المرأة مع الرجل في هذه المواضع التي ذكرت، فإن هذه لو أعطي لها هذا الحق ستسمى غاصبة، وستسمى أخذت مال غيرها، وهذا هو حكم الله، وحكم الله لا يمكن أن يرتفع إلا بحكم الله.
السؤال: هل العلماء مختلفون في أحكام الإرث؟
الجواب: لا يمكن، الذي اختلفوا فيه هي بعض المسائل التي ليس فيها نصوص، مثل مسألة الجد، ومثل مسألة توريث ذوي الأرحام، وهذه للنظر فيها مسرح، وللنظر فيها مجال، وقد اختلفوا فيه وصارت فيه مذاهب، أما الأمور المحسومة بنص القرآن، فهذا لا يناقشه أحد، كما لا يناقش الناس الصلاة والزكاة.
السؤال: هل المرأة دائما ترث نصف حظ الرجل؟
الجواب: لا، هذه المسائل التي فيها “للذكر مثل حظ الأنثيين“، روعيت فيها الحقوق كما ذكرنا من أجل العدل، لأن الذي عليه واجبات كثيرة تكون له حقوق كثيرة، والذي يكون عليه واجب ضعيف يكون عليه حق ضعيف، ولهذا فالعدل هذه هي صفته، وهذا هو معياره وهذا وزنه، لو قدر أن الشرع لم يفعل هذا لرأى قوم بأنه ظلم الرجل، لأنه فرض عليه الواجبات وفرض عليه الحقوق وفرض عليه أمورا كثيرة، ثم بعد ذلك لا يكاد يراعيه في حقوق الميراث.
سيقول قائل: إن الرجل مظلوم، أين العدل إذن؟ فرض على الرجل كل هذه الأثقال وما روعي حاله في العطاء، ولكن من نظر بإنصاف وانتبه إلى هذه الجهات كلها ونظر في المسألة على تمام أدرك أن هذا هو عدل حتى بنظرنا البشري، وحتى لو لم يظهر لنا نحن بأنه عدل، فإننا نتعبد الله تعالى بحكمه وهو عدل.
سؤال: إذن يمكن القول إن أحكام الإسلام وتشريعاته هي منظومة متكاملة، لا يمكن الحديث عن حكم وتغييره بمنأى عن الأحكام الأخرى؟
الجواب: هذا هو التجزؤ في النظر، والتجزؤ في الحِكم، والتجزؤ في المقاصد، والتجزؤ في المصلحة أدى إلى ظهور هذه الأفكار وهذه الحركات وهذه الجماعات التي تقول بمثل هذا القول الذي يدل على النقص في النظر والنقص في الفهم والنقص في الإدراك، وعدم اعتبار ما يجب اعتباره عادة.
جزاكم الله خيرا وبارك في الشيخ وفي علمه
المزيد من هذه الحوارات لتضعونا في الصورة الحقيقية بما يخص مواقف العلماء. شكرا وبارك الله فيكم.
هذا كلام مهم للشيخ مأخوذ من هذا المقال”وحتى لو لم يظهر لنا نحن بأنه عدل، فإننا نتعبد الله تعالى بحكمه وهو عدل.”
wa jaza llah kayr baraka llah fik