القاطع محروم والواصل مرحوم

هوية بريس – د. عبد الله الشارف
إن قطيعة الرحم تعد من الكبائر الكبيرة الموجبة للحرمان من رحمة الله؛ لكونها تفضي إلى شيوع الفساد الاجتماعي والأخلاقي. قال الحق سبحانه وتعالى: “فَهَلْ عَسِيتُمُۥٓ إِن تَوَلَّيْتُمُۥٓ أَن تُفْسِدُواْ فِے اِ۬لَارْضِ وَتُقَطِّعُوٓاْ أَرْحَامَكُمُۥٓۖ (23) أُوْلَٰٓئِكَ اَ۬لذِينَ لَعَنَهُمُ اُ۬للَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْم۪يٰٓ أَبْصَٰرَهُمُۥٓۖ (24)”. ( سورة محمد). قال المفسر ابن كثير رحمه الله: “ولهذا قال الله تعالى أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم. وهذا نهي عن الإفساد في الأرض عموما، وعن قطع الأرحام خصوصا. بل قد أمر الله تعالى بالإصلاح في الأرض وصلة الأرحام؛ وهو الإحسان إلى الأقارب في المقال والأفعال، وبذل الأقوال.”(تفسير ابن كثير).
ثم إن قطيعة الرحم توجب الحرمان من قبول العمل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إن أعمال بني آدم تعرض كل خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع”. (مسند الإمام أحمد، وشعب الإيمان للبيهقي). بمعنى أن قاطع الرحم المسيء إلى ذوي رحمه بالهجر، وعدم القيام بواجبه نحوهم، لا يقبل عمله، أي؛ لا يثاب عليه، كما يبينه منطوق الحديث النبوي.
قال الله العزيز الحكيم: “يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لنَّاسُ اُ۪تَّقُواْ رَبَّكُمُ اُ۬لذِے خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاٗ كَثِيراٗ وَنِسَآءٗۖ وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَ اَ۬لذِے تَسَّآءَلُونَ بِهِۦ وَالَارْحَامَۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباٗۖ (1)” (سورة النساء). تشتمل هذه الآية الكريمة على أمرين إلهيين عظيمين؛ أمر بتقوى الله عز وجل، وأمر بصلة الأرحام وعدم قطعها. فقد قَرَن سبحانه الأمْرَ بتقواه بالأمربِصلة الأرحامِ والأقارب، والنهي عن قطيعَتِها؛ فتقوى الله أمر إلهي لعباده ينبغي التحقق به والعمل بمقتضياته. وكذلك الأمر بصلة الأرحام الذي يستلزم قيام العبد بواجباته نحو أقاربه وذوي رحمه.
قال الامام المفسر أبو بكر بن العربي المعافري رحمه الله في تفسيرالآية: “المعنى: اتقوا الله أن تعصوه، واتقوا الأرحام أن تقطعوها، وقد اتفقت الملة على أن صلة ذوي الأرحام واجبة، وأن قطيعتها محرمة”. (أحكام القرآن لابن العربي).
وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: “أخبرني بعمل يدخلني الجنة”. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم”. (متفق عليه).
وعن عائشه رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله”.(رواه البخاري ومسلم).
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:”صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تُطفئ غضبَ الربِّ، وصِلَةُ الرَّحِم تزيد في العمر”. (أخرجه الطبراني في الكبير).
وعن زبير بن مطعم رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يدخل الجنه قاطع”.(أخرجه مسلم).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “وكل رحم آتية يوم القيامة أمام صاحبها تشهد له بصلة إن كان وصلها وعليه بقطيعة إن كان قطعها”. (رواه البخاري)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ليس شيء أُطِيع الله فيه أعجل ثواباً من صلة الرحم وليس شيء أعجل عقاباً من البغي وقطيعة الرحم”. (البيهقي في السنن).
يستخلص من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، أن للرحم في الإسلام مكانة عظيمة ومنزلة رفيعة، ولها أثر بارز في تقوية العلاقات الاجتماعية بين الأقارب وأولي الأرحام. ومن شدة قدسيتها أن جعلها الله معلقة بعرشه؛ تدعو خالقها أن يصل من يصلها، ويقطع من يقطعها.
فيا قاطع الرحم مع أبيه، أو أمه، أو أخيه، أو أخته،… ؛ تدارك أمرك قبل فوات الأوان وبلوغ الروح الحلقوم. فقد تُحرَم الرزق، أو تشقى في حياتك، أو يصيبك أذى، أو تبتلى بمرض بسبب قطيعتك لرحمك. وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المشار إليه آنفا: ” وليس شيء أعجل عقاباً من البغي وقطيعة الرحم”. فاللهَ اللهَ في نفسك، ولا يَحرِمنَّك الشيطان من رحمة الله.
وليعلم المسلم أن مما يخفف من وطأة المشكلات الاجتماعية والنفسية، ومن الشعور بالغربة، والخوف من المستقبل؛ ما شرعه الله وأمر به من صلة الأرحام، والتضامن الأسري، والترابط القرابي، والتعاون الأُخَوي.
هذا، ولا يظنَّن المسلم المُقصِّر، عمدا أو تهاونا، في واجبات القرابة والرحم والتكافل الأسري والاجتماعي، أنه معذور بسبب ضغوط الحياة ومشاكلها. فكما أنه يدبر أمور حياته ومصالحه الخاصة، رغم تلك الضغوط، فإنه مطالب شرعا، بالقيام بأمور وواجبات القرابة والرحم، والأخوة والتكافل قدر الاستطاعة، وإلا فقد يغدو آثما مُفسِدا وهو لا يشعر، كما قد يدخل تحت وعيد قوله تعالى: ” فَهَلْ عَسِيتُمُۥٓ إِن تَوَلَّيْتُمُۥٓ أَن تُفْسِدُواْ فِے اِ۬لَارْضِ وَتُقَطِّعُوٓاْ أَرْحَامَكُمُۥٓۖ (23) أُوْلَٰٓئِكَ اَ۬لذِينَ لَعَنَهُمُ اُ۬للَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْم۪يٰٓ أَبْصَٰرَهُمُۥٓۖ (24)”. ( سورة محمد)



