القتل الرمزي وشيطنة علماء الدين بالمغرب.. حين تتحول المرجعية الإسلامية إلى تهمة!

القتل الرمزي لعلماء الدين بالمغرب.. حين تتحول المرجعية الإسلامية إلى تهمة!
هوية بريس – متابعات
شهد المغرب خلال السنوات الأخيرة تصاعدا لافتا في حملات الاستهداف الرمزي والإعلامي لأئمة ودعاة وعلماء الدين، في مشهد يعكس توترا ثقافيا متفاقما ومحاولة واضحة لإعادة تشكيل الفضاء العمومي بعيدا عن المرجعية الإسلامية. لم يعد الأمر يقتصر على نقاشات فكرية مشروعة أو نقد لبعض المقولات التراثية، بل تحوّل في حالات كثيرة إلى ضرب تحت الحزام، واستهداف شخصي ممنهج لرموز الدعوة والتدين.
استهداف بأقنعة متعددة
من أبرز مظاهر هذا الاستهداف، توظيف قضايا معزولة واتهامات غير مثبتة، لتأليب الرأي العام ضد العلماء والدعاة. قضية الإمام بفاس الذي اتُهم زورا في شرفه قبل أن تثبت براءته أمام القضاء، ليست سوى مثال من سلسلة طويلة. كذلك الحال في قضية “سويقة الرباط”، حينما اتُّهم سلفيون بتجريد فتاة من ثيابها، وتبين لاحقا أن الرواية لا صحت لها، لكنها كانت كافية لإعادة تدوير خطاب الشيطنة.
ويضاف إلى هذا، الحملة التي شُنت في الماضي ضد الشيخ عبد الله نهاري، حين طالب بعض السياسيين بمحاكمته بتهمة التحريض، رغم أن مواقفه لم تخرج عن نطاق التعبير الشرعي المعروف. كما طالت الحملة الشيخ أبو النعيم رحمه الله، الذي تعرض لحملة شرسة وصلت حد المطالبة بإسكاته قضائيًا، بذريعة مواجهة “خطاب الكراهية”، وطالت آخرين كالشيخ الدكتور الحسن بن علي الكتاني ود.أحمد الريسوني وغيرهم كثير..
ازدواجية المعايير: لحى تُدان وأخرى تُستثنى
اللافت في هذه الحملات، أنها لا تطال الجميع بنفس المقياس. في واقعة موثقة خلال ندوة بالرباط، رفض ضيف يهودي مصافحة امرأة انسجاما مع معتقده، دون أن تثار ضده أي حملة. في المقابل، لو كان الفاعل مسلما، لتصدرت صورته وسائل الإعلام مع وابل من الاتهامات بـ”الرجعية” و”احتقار المرأة”.
الأمر ذاته يُلاحظ في التغطية الإعلامية للشعائر والرموز الدينية، حيث توصف صلاة التراويح بـ”الفوضى”، ويُطالب بمنع النقاب وفرض غرامات على مرتدياته، في ممارسات لا تقل قسرًا عن تلك التي يدّعي أصحابها معارضتها.
بل إن أي شخص يظهر بلحية أو ينتمي لتيار ديني يُرمى تلقائيًا بـ”الدعشنة”، كما حدث في بعض تغطيات الإعلام لقضايا لا علاقة لها بالعنف أو التطرف، فقط لأن المتهم يظهر بهيئة متدينة.
هذا الإسقاط غير الموضوعي يخلق مناخا مشحونًا، ويقصي شريحة واسعة من المواطنين من المشاركة في الحياة العامة أو الظهور الإعلامي، كما لو أن الانتماء للمرجعية الإسلامية بات تهمة.
استهداف الرموز.. من النقوش إلى المنابر
ولا تقتصر ملامح هذا العداء الثقافي على الشخصيات، بل تمتد إلى الرموز والمعالم. واقعة تخريب النقوش الصخرية بمنطقة ياغور، والتي تحمل إشارات دينية وتاريخية عريقة، تندرج في السياق نفسه: محو الذاكرة المرتبطة بالإسلام وتقديم التراث كمصدر تهديد للهويات الأخرى.
أما في الحياة العامة، فتم تسجيل حالات متكررة لإقصاء الدعاة وأئمة معروفين من المنابر العامة، ومنعهم من إلقاء محاضرات أو المشاركة في ندوات، رغم تاريخهم الدعوي النظيف. هذا الإقصاء لا يتم لأسباب قانونية أو سلوكية، بل لكونهم يرفضون التماهي مع الأجندة الليبرالية السائدة، ويعبرون عن مواقف محافظة تتقاطع مع هوية غالبية الشعب المغربي.
الإعلام.. أداة التعبئة ضد التدين
جزء كبير من هذه الدينامية يمر عبر الإعلام، حيث تتبنى بعض القنوات والمواقع حملات تشويه ممنهجة، مستعملة عبارات تحقيرية أو اتهامات غير موثقة. وفي بعض الحالات، يُمنع المتضررون من حق الرد، ما يجعل من هذه المنصات أدوات دعاية ضد التوجه الديني.
وحتى بعض الصحف القريبة من أحزاب يسارية تتعامل بازدواجية واضحة، إذ تجمع افتتاحياتها على ربط كل الحركات الإسلامية بالعنف، دون تمييز بين مكونات مختلفة، في اجتزاء خطير لتراث ضخم ومتنوع.
نحو مراجعة عادلة
ما نعيشه ليس مجرد خلاف ثقافي مشروع، بل محاولة صريحة لإعادة صياغة المجال العام المغربي على مقاس إيديولوجيا ترى في المرجعية الإسلامية عبئا ينبغي تجاوزه، لا عنصرا مكونا للهوية الحضارية.
إن حماية التعددية تقتضي، لا محالة، وقف هذا القتل الرمزي للعلماء، وصيانة كرامة من يمثلون المرجعية الإسلامية، بدل تنميطهم وتحويلهم إلى كبش فداء في معارك إيديولوجية لا تخدم السلم الاجتماعي ولا التعايش الحقيقي.



