القضية الفلسطينية بين “دعوة الحق” المغربية و”بروتوكلات حكماء صهيون”
هوية بريس – طارق الحمودي
«هل ينسى التاريخ أن تازة هي التي انتبهت أول من انتبه للخطر الذي كان يهدد العالم الإسلامي قبل أربعة قرون من إنشاء الكيان الصهيوني اليوم، وماذا تعني حادثة ابن مشعل الذي كان يعتزم إنشاء كيان يهودي في الإقليم؟» (عبد الهادي التازي/دعوة الحق) |
محاولة إقامة “دولة إسرائيلية” في المغرب، هكذا يمكن وصف الذي جرى في شرق المغرب، وبالتحديد في منطقة تازة، حيث حاول بعض اليهود المغاربة إقامة دويلة صغيرة تلمودية، تجمع شتات اليهود المنتشرين في القبائل الأطلسية، ولتحقيق ذلك، قام بعض أرباب المال اليهودي حينها بتمويل أكبر وأشهر بل وأول محاولة يهودية لإقامة دولة تلمودية بعد الشتات، فاحتلوا مدينة تازة، وتحول اليهود فيها إلى ميليشيات تجاهد في سبيل إنجاح هذا المشروع القومي الأول، وقد لقي المسلمون في تازة وما حولها شدة الأذى والتنكيل من هذه الدويلة الجديدة، وتولى كل ذلك، أحد كبار أرباب المال الربوي اليهودي في المغرب، والذي اشتهر في كتب التاريخ بـ”ابن مشعل“، والتي استطاع ملوك المغرب العلويون إحباط محاولته، وإجهاض المؤامرة الصهيونية لإقامة دولة قومية في المغرب باحتلال أراضي مغربية، واستعباد المغاربة المسلمين فيها.
لم تكن الدويلة الإسرائيلية التي حاول بعض اليهود المغاربة إقامتها تهديدا للأمن والوحدة المغربية فقط، بل كان واضحا أن هدفها أوسع وأخطر، وهو ما نبه عليه الأستاذ عبد الهادي التازي في مقال له بمجلة “دعوة الحق” عن تاريخ تازة فقال: «هل ينسى التاريخ أن تازة هي التي انتبهت أول من انتبه للخطر الذي كان يهدد العالم الإسلامي قبل أربعة قرون من إنشاء الكيان الصهيوني اليوم، وماذا تعني حادثة ابن مشعل الذي كان يعتزم إنشاء كيان يهودي في الإقليم؟»، كان واضحا في مقال الأستاذ عبد الهادي وجه الربط بين هذه الإمارة الإسرائيلية وبين الكيان الصهيوني في فلسطين، الأسلوب واحد، والمقصود واحد.
كان بعض اليهود حريصين دائما على التمكين لأنفسهم، تارة ظاهرا، وغالبا باطنا، وكان حكماء بني صهيون يعرفون أن السرية في العمل أنفع، فقرروا سلوك طريق التسرب والمكائد والمؤامرات، للسيطرة على مواقع النفوذ السياسي والاقتصادي والثقافي في العالم، وقد بقي ذلك مستترا عن أعين الناس، إلى أن تسربت واحدة من أخطر الوثائق الصهيونية في العالم، وهي المعروفة بـ”بروتوكولات حكماء صهيون“، وهي خلاصة الأسرار، ومقاصد الأشرار، وللبروتوكولات قصة طويلة وعجيبة، حكاها صاحب “أحجار على رقعة الشطرنج”، وهي في الحقيقة كما قال صاحب الكتاب، بروتوكولات آل روتشيلد…!
ترجمت البروتوكولات إلى اللغة العربية، ونشرها محمد خليفة التونسي، مع مقدمة لعباس محمود العقاد، وكذلك عجاج نويهض، وكتب عنها محمد بن عبد الله في مقال منشور في مجلة “دعوة الحق“، وكان خلاصة ما استخرجه من هذه البروتوكولات:
1- أنها «كشف الستار عن خفايا اليهودية العالمية التي إسرائيل قفازها الخارجي أو محطتها الأولى».
2- أن «اليهودية العالمية قوة إبليسية على شكل منظمة سرية…».
3- أن «القوة في اليهودية العالمية قدرتها على أن تخفي أجهزتها عن العالم وتنشر الضباب من حولها نشرا متواليا لكي يبقى العالم في حيرة من أمر الحقيقة اليهودية».
4- أن «تخريب المحاولة الصهيونية على رؤوس المحاولين، يتطلب روحا عربية واحدة، في البيت والمنزل والمدرسة والمعهد والصحيفة والنادي والمحاضرة والمنبر والنشيد والشعر والمقالة والخطبة والموسم والعيد والقرية والبلدة والعاصمة والمعسكر وميدان المعركة فضلا عن الإذاعة والتلفاز».
5- أن «البروتوكولات هي المخطط الذي وضعه رجال المال والاقتصاد اليهود لتخريب المسيحية والبابوية ثم الإسلام… ثم تنسف الحضارة القائمة نسفا تاما».
واستمر أمر المكائد إلى أن تمكن بعض اليهود من الحصول على فرصة تاريخية بمساعدة صهاينة الإنجليز، فوُعدوا وعد بلفور المشؤوم، وغصبت القدس والأراضي المباركة حوله في فلسطين، وسلمت إلى عصابات الصهيونية العالمية، والتي تداعى الصهاينة في العالم على مساعدتها، لإقامة دولة على غرار إمارة ابن مشعل الإسرائيلية، وتم الأمر، وتم معه تهجير وقتل وانتهاك للحرمات، كما فعل ابن مشعل من قبل، وكان من مكر الصهاينة، أن أوهموا المقاومة حينها بأن القضية صراع عربي إسرائيلي، وكان الغرض من ذلك إزاحة القضية عن بعدها الديني، وبذلك ضعفت المقاومة العلمانية، وتهالكت واضمحلت، وهو ما نبهت عليه هيئة تحرير مجلة “دعوة الحق” المغربية، فكان مما نشرته تحت عنوان” “الفكر الإسلامي والقدس“:
«تمثل قضية القدس الشريف تحديا صارما للفكر الإسلامي المعاصر، ذلك أن العمل السياسي، سواء في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي، أو على الصعيد الدولي دفاعا عن الأراضي الإسلامية المحتلة، وجهادا في سبيل تحرير أولى القبلتين وثالث الحرمين، لا يمكن أن يكون إلا إسهاما في إثراء هذا الفكر بصورة أو بأخرى… إن غياب الفكر الإسلامي عن الساحة السياسية كان وراء سقوط القدس، لا نقصد بذلك انعدام حرية الدعوة، وحصار النشاط الإسلامي في هذه البلاد أو تلك، ولكننا نقصد بالدرجة الأولى طغيان المفهوم القومي الضيق وهيمنة الاتجاهات العلمانية على المواقف والجهود المبذولة من أجل التحرير والخلاص، وقد وصل بنا الحال في تلك الفترة العصيبة إلى ما يمكن أن نسميه بالتجرد الكامل عن الصبغة الإسلامية فيما كان يصدر وينشر ويذاع من أقوال وشعارات وتصريحات، ومثل ذلك ما قاله أحد القادة من أن رفع الراية الإسلامية في معركة فلسطين يفضي بالعالم إلى حروب دينية جديدة تعود بالإنسانية إلى القرون الوسطى، وما درى هذا أن الحرب الدينية معلنة علينا فعلا، بدافع عقيدة غيبية، إن لم تكن دينية، فهي خرافية من نوع ما يعرف بالمادية الجدلية، وما يمت إلى هذا الهراء بصلة، بيد أن ضراوة معركة الأمة الإسلامية مع الاستعمار والصهيونية والشيوعية، وشراسة المؤامرات المدبرة ضد أرضها وعقيدتها وعقلها، كان لهما رد فعل عنيف بما أحدثتاه من انقلاب في التصورات والمفاهيم»، فكان أن بدأت تظهر في الأمة علامات نهضة وبعث جديد، بل و”صحوة إسلامية” في العالم الإسلامي كله.
هذا يعني شيئا واحدا، أن قضية القدس قضية إسلامية، ولن ينفع في تحرير القدس إلا مقاومة إسلامية، وهو ما تثبته الأحداث والوقائع، واليهود أنفسهم خير من يشهد على ذلك.
إن وعي المغرب بالأحداث وسياقها، بدءا بدخول اليهود بعد الشتات أرضه، وانتشارهم في القبائل، ومحاولتهم إقامة دولة إسرائيلية في العهد العلوي، والإضرار بالمصالح الوطنية، وإيقاع الأذى بمواطنيه المسلمين، ونهب الخيرات، واحتلال الأرض، وصناعة الخونة، بقي قائما إلى زماننا بل قوي، وصار له عنوان واحد، سطر على جبهة الهوية المغربية الإسلامية، وصار “الهدف الأسمى للمغرب تحرير القدس“، وهو عنوان لمقال نشره الأستاذ عبد العزيز بنعبد الله في مجلة “دعوة الحق“.
القضية الفلسطينية وقضية الصحراء المغربية، أختان، أولاهما الأخت الكبرى للثانية، وحلها حل لها، وهو ما نبه عليه أبو شرارة مبعوث ياسر عرفات للملك الحسن الثاني حين قال له: «الثورة الفلسطينية تضع كافة إمكانياتها لتحرير الصحراء المغربية»، وفق ما نشرته مجلة “دعوة الحق“.
فلسطين إذن، والإيمان بقضية القدس، واليقظة المستمرة للمؤامرات الصهيونية في المغرب، جزء من “دعوة الحق” في المغرب، وسيبقى الأمر كذلك، ولعل من سيناديه الحجر والشجر يوما ما سيكون من بينهم مغاربة، نشؤوا على وعي تام، بمؤامرات “ابن مشعل“، عبر “دعوة الحق“.