القضية الفلسطينية بين مواقف “علماء المغرب” وعلماء “هيكلة الحقل الديني”

هوية بريس – متابعات
في وثيقتين نادرتين تعودان إلى ستينيات القرن الماضي، عبرت “رابطة علماء المغرب” عن مواقف قوية تجاه الهجرة اليهودية إلى فلسطين والعدوان الصهيوني خلال حرب يونيو 1967، مؤكدّة على مركزية القضية الفلسطينية في الوعي الديني والوطني المغربي.
ضد تهجير يهود المغرب إلى فلسطين
وفي بيان مؤرخ بـ18 غشت 1962، نددت الرابطة بشدة بظاهرة تهجير اليهود المغاربة إلى فلسطين، معتبرة إياها دعما مباشرا للمشروع الصهيوني واحتلاله للأراضي العربية. وجاء في البيان أن ما يحدث هو غزو صهيوني لأرض فلسطين، ينفذه الصهاينة بتواطؤ من قوى استعمارية معروفة.
وأكد البيان أن هذه الهجرة تهدد الوجود العربي والإسلامي في فلسطين، وخاصة في مدينة القدس، مشيرا إلى خطورة الوضع الذي يتعرض له المسجد الأقصى، ثالث الحرمين الشريفين، بفعل هذا التوسع الصهيوني.
وفي لهجة تحذيرية واضحة، أعربت الرابطة عن قلقها من أن تُستخدم هذه الهجرة لتشويه صورة المغرب أمام العالم العربي والإسلامي، وتقديمه كداعم غير مباشر للمشروع الاستعماري الصهيوني. ودعت الرابطة الحكومة المغربية إلى اتخاذ موقف حازم لمنع استمرار هذه الهجرة.
وشدد البيان على أن اليهود المغاربة كانوا يعيشون في أمن وسلام في المغرب وسائر بلاد الإسلام، متمتعين بحقوقهم الكاملة، وأعرب عن أسفه لما اعتبره نكرانًا لهذا المعروف من قبل بعضهم.
كما ناشدت رابطة العلماء الشعب المغربي والعربي المسلم إلى رفض هذه الهجرة، والتصدي لمحاولات تهويد فلسطين، مؤكدة على أن هذه الظاهرة تتناقض مع مشاعر الأمة والتزاماتها القومية والدينية تجاه القضية الفلسطينية.
وقد ختمت الرابطة بيانها بتذكير المسلمين بالثوابت الدينية، داعيةً إياهم إلى التمسك بالوحدة والإخلاص في مواجهة محاولات التفرقة والاستعمار.
نداء للجهاد بعد احتلال القدس
وفي بيان صادر سنة 1962، نددت رابطة علماء المغرب بشدة بظاهرة هجرة اليهود المغاربة إلى فلسطين، معتبرة إياها شكلا من أشكال الدعم الصريح للمشروع الصهيوني في اغتصاب أرض فلسطين. ووصفت الرابطة هذه الهجرة بأنها “غزو صهيوني لأرض فلسطين”، مدعوم من قوى استعمارية معروفة.
كما عبّرت عن أسفها من كون اليهود يعيشون بأمان وحقوق كاملة في المغرب وسائر بلاد الإسلام، ومع ذلك يهاجرون لدعم دولة استعمارية معتدية. ودعت الرابطة إلى مقاطعة الصهاينة ومناصريهم، ورفض أي تساهل معهم.
ومع اندلاع حرب يونيو 1967 واحتلال القدس، أطلقت الرابطة نداء مؤثرا إلى الأمة الإسلامية، داعية إلى الجهاد والدفاع عن المقدسات الإسلامية، خاصة المسجد الأقصى المبارك. ووصفت الاحتلال الإسرائيلي بأنه استمرار لمشروع استعماري بريطاني-أمريكي، مطالبة المسلمين في كل بقاع الأرض بالتحرك لنصرة فلسطين ومواجهة العدوان الصهيوني.
واستندت الرابطة إلى الشريعة الإسلامية في تأكيدها على وجوب القتال عند انتهاك المقدسات، معتبرة أن فريضة الجهاد أصبحت واجبة على كل مسلم قادر.
كما دعت إلى تعبئة شاملة للمسلمين من جميع الدول، وتوفير الدعم اللوجستي والعسكري للمجاهدين.
واختتمت الرابطة نداءها بالإشادة بروح المقاومة العالية للجيوش العربية، وعلى رأسها الجيش المغربي، رغم ما وصفته بـ”الخيانة” من بعض الأنظمة والدول الداعمة للصهيونية.
كما خصّت بالذكر الملك الراحل الحسن الثاني لدوره في دعم القضية الفلسطينية، مناشدة إياه الاستمرار في قيادة المغرب إلى جانب أشقائه من الزعماء العرب.
وقد قع البيان حينها الأمين العام للرابطة، العلامة عبد الله كنون، الذي شدد على وحدة المسلمين في وجه الاستعمار، ودعا إلى تربية الجيل الجديد على الجهاد والدفاع عن مقدسات الأمة.
في الختام..
تشكل هذه الوثائق دليلا تاريخيا على انخراط العلماء المغاربة في معركة تحرير فلسطين منذ وقت مبكر، وعلى وعيهم بأبعاد الصراع الصهيوني، الذي لم يكن فقط قضية أرض، بل قضية دين وعقيدة وشرف وكرامة أمة.
لكن الواقع الحالي يكشف عن تراجع خطير لدور الهيئة العلمائية الرسمية، لدرجة أننا بلغنا مرحلة منع الدعاء مع أهل فلسطين وغزة التي تقصف وتباد على مرأى ومسمع من العالم أجمع.
وبعد توحيد خطب الجمعة والعيدين؛ وتحنيطها في قالب موحّد؛ لم يعد المواطن المغربي يسمع بالمرة في المسجد عن القضية فلسطين والدعاء مع أهلها، حتى وإن قتلت آلة الدمار الصهيوني أكثر من 50 ألف شهيد، وانتهكت مقدسات المسلمين بالمسجد الأقصى المبارك.
فشتّان بين مواقف علماء المغرب في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، من أمثال عبد الله كنون، والمكي الناصري، وإدريس الكتاني، وعلال الفاسي، الذين صدحوا بكلمة الحق دفاعا عن القدس وفلسطين وقضايا الأمة العادلة، وبين واقع اليوم الذي يشهد عسكرة للخطاب الديني الرسمي تحت مسمى “هيكلة الحقل الديني” و”خطة تسديد التبليغ”.
لقد كان علماء الأمس صوت الأمة وضميرها، لا يترددون في توجيه النقد للسياسات الغربية الاستعمارية، ولم يكونوا يخشون في الحق لومة لائم.
أما اليوم، فقد أصبح كثير من العلماء خاضعين لإملاءات وزارة الأوقاف، محرومين من حرية التعبير في القضايا الوطنية وقضايا الأمة المصيرية، بل ويوصف المخالفون منهم بـ”المرضى”، أو يُتهمون بالتشويش أو التطرف أو الخروج.
المشكل لا يكمن في تنظيم أو مخططات بعينها، بل في تهميش العلماء المستقلين، وإفراغ المنابر من رسالتها الحضارية، وتحويل العلماء إلى موظفين لا يتجاوز دورهم في التوجيه السطحي والخطاب الوعظي الجاف.
القضية ليست فقط في الدفاع عن فلسطين، بل في دور العلماء في تأطير الأمة، وصناعة وعيها، وتحفيزها على التحرر والكرامة. وهذا الدور الذي أداه بجدارة رجالات الحركة الوطنية وعلماؤها، لا يُمكن أن يُؤدى من داخل قفص الوصاية والتحكم، ولا من خلف أسوار الخوف من التوبيخ أو الإقصاء والتهميش.
فمتى تعود للمساجد حرّيتها؟ ومتى يُستعاد للعالم هيبته؟ ومتى نُبصِر علماء يقودون ولا يُقادون؟



