القطعان الجدد
هوية بريس – عادل هلول*
عاشت الأمة الإسلامية فترة انحطاط بليغة جدا بعد تناحر الملوك والزعماء على السلطة ردحا من الزمن، وقد ترتب على ذلك ضعف كبير جدا على كل المستويات؛ اقتصاديا، دينيا، واجتماعيا، وعسكريا.
فوجدت الدول الإسلامية نفسها أمام أطماع الدول الاستعمارية مثل فرنسا واسبانيا وبريطانيا..، وسرعان ما انبطحت الدول الإسلامية بعد ترهل الخلافة العثمانية أمام هذه الدول المستعمرة فعاثت في الأرض فسادا أكبر مما كان.
وبعد أن استتب الأمر للغزاة المستعمرين، ظهرت في العالم الإسلامي بعض الحركات التحررية الداعية إلى طرد المحتل. ومن بين أهم ما اعتمدت عليه هذه الحركات هو الرجوع بالأمة الإسلامية إلى الماضي الجميل؛ حيث سيادة التشريع الإسلامي وحضور الأخلاق الإسلامية الرفيعة مع الازدهار الاقتصادي العظيم.
وفعلا نجح المسلمون بعد الاعتماد على القرآن الكريم والمساجد الطاهرة والعلماء الربانيين والزوايا العامرة والتصوف السني والسلفية العادلة مع الجهاد القويم في طرد المحتلين وأذنابهم من غالب الدول الإسلامية، فلم يبق إلا بعض الانفصاليين وبعض الأراضي القليلة القابعة تحت سلطة المحتلين.
ثم بدأ المسلمون في النهوض بأوطانهم مستلهمين أفكارهم من تجارب عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز وصلاح الدين الأيوبي ويوسف بن تاشفين ومولاي إدريس وعمر المختار وعبد الكريم الخطابي والمختار السوسي وغيرهم كثير..
فبدأ الإصلاح والتقدم خطوة خطوة إلى أن صار المسلمون إسلاميين؛ يعرفون إسلامهم وواجباتهم وحقوقهم، وتمكنوا من تشكيل رأي عام قوي جدا بعد أخذهم بأسباب التقدم والقوة، معتمدين في ذلك بعض الوسائل الإعلامية الناصرة لتوجههم، وذاك بالرغم من محاربة أعداء الإسلام الأقوياء والمدعمين من القوى الامبريالية.
ولما صار المسلمون قوة في بلدانهم، وصلوا إلى السلطة في كثير من البلدان، ومن بينها تركيا.
تركيا التي كانت إلى عهد قريب دولة متخلفة تقتات على هامش موائد الغرب، أضحت قوة إقليمية جديدة مؤثرة في صناعة القرار الدولي، وذلك بعد تقدمها عسكريا واقتصاديا وسياحيا وتعليميا واجتماعيا وإعلاميا.. وكل ذلك بسبب وحيد لا شريك له؛ هو انتخاب الأتراك لحزب العدالة والتنمية الذي أخذ على نفسه خدمة الشعب التركي، بل والإسلامي كما في فلسطين ومصر وسوريا.. فلم يرغب كثير من الحاقدين الغرب وأذنابهم من العرب والمسلمين في هذا التطور الهائل في زمن قياسي رهيب، فبدؤوا في التخطيط لعرقلة هذا التقدم، (كما تفعل الجزائر مع المغرب).
في هذه الفترة ظهرت طائفة جديدة وسمتها بـ: “القطعان الجدد” ذلك أن القطيع غالبا ما يتبع القوي والرأي العام وإن كان خاطئا، لكن القطعان الجدد صاروا قطيعا بعد أن تبين لهم قوة رأي الأغلبية من الإسلاميين، ولم يجدوا إلى أن يعتمدوا قاعدة: خالف تعرف، فصاروا يناصبون العداء لكل نجاح صادر عن الإسلاميين و حالهم يقول على لسان قرد الغابة “مالك مزغب”.
لقد صار القطعان الجدد يعارضون الإسلاميين فقط من أجل المعارضة، وبعد المحاولة الانقلابية الفاشلة لإسقاط الديمقراطية والإسلاميين في تركيا، وجد القطعان الجدد أنفسهم راكنين إلى الدم والقتلة والانقلابيين، بحجة أن أردوغان الذي جاءت به الانتخابات دكتاتور ومجرم إرهابي يدعم داعش !!!
إن الحقد الأعمى إذا تمكن من قلب الإنسان؛ فإنه لا محالة سينقلب أمام القيم الإنسانية، وسيساند الظالمين والانقلابيين.
لقد رجعت فئة القطعان الجدد إلى جحورها بعد أن أرغم أردوغان والشعب التركي كل انقلابي بتسليم سلاحه، والمثول أمام العدالة لتقول كلمتها الناصرة للحق البعيدة عن الجور.
من العيوب التي يصعب علاجها لدى القطعان الجدد، هو إصابتهم بمرض جنون العظمة الذي استعصى علاجه على كبار أطباء العالم، وتراهم مساكين؛ يحسبون أنفسهم علماء منظرين، وعندهم جهل مركب فظيع جدا، وغالبا لا يريدون الإنصات للغير بحجة أن كلامه معتاد وأن براهينه سبق له علمها.
ومن العيوب أيضا لدى القطعان الجدد، أنهم يبكون الغرب عند كل تفجير داعشي، ويغيرون بروفايلاتهم عند سقوط أول قطرة دم ناصرين للغرب متجاهلين الدم المسلم المستباح منذ عقود، مع أنه دم واحد.. لكنه الحقد الأعمى.
لقد آن للقطعان الجدد أن يعودوا إلى أمتهم، ويرجعوا عن غيهم، ويجلسوا على الحصير يتعلمون من الشعوب الإسلامية كيف يحافظون على الفطرة السوية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
* أستاذ باحث