القمة الروسية الإفريقية.. رؤية المغرب وإشارات في مصلحته

02 أغسطس 2023 20:39

هوية بريس- محمد زاوي

يدل مضمون الكلمة التي ألقاها رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش بالقمة الروسية الإفريقية المقامة بسانت بطرسبورغ (27 يوليوز 2023)، كذا بعض الحيثيات التي شهدتها القمة، على تهافت الطرح القائل باصطفاف المغرب إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية على النقيض من روسيا والصين.

لم توجه روسيا دعوة لحركة “البوليساريو” الانفصالية بالحضور للقمة، ما يعني أن موقف روسيا من ذات الحركة غير موقف الاتحاد السوفييتي؛ فإذا كان هذا الأخير قد نظر إلى علاقته بالمغرب بمنطق “من مع القطب الشرقي ومن ضده؟”، فإن روسيا تنظر بمنظار “الأقطاب الأوراسية والدور الذي يمكن للمغرب أن يلعبه في هذه الاستراتيجية”. ليست لها نفس مصالح الجزائر إذن، ولا نفس موقف الجزائر وخطتها. وإن روسيا بعدم دعوتها ل”البوليساريو” لم تلتزم الحياد فحسب، بل انحازت بوضوح لموقف المغرب الذي لا يعتبر الحركة الانفصالية دولة ذات شرعية.

ومما يثير الانتباه، أن روسيا منحت المغرب ممثلا في رئيس حكومته الكلمة الأولى في القمة؛ وهذه إشارة دبلوماسية وسياسية بالغة الأهمية ولا تخلو من دلالة، فكل الأحداث في السياسات الكبرى ذات دلالة مهما صغرت. في هذا التقديم إشارة إلى موقع المغرب الاستراتيجي من جهة، وامتداده في إفريقيا من جهة ثانية، والرهان عليه كجسر مؤهل أكثر من غيره في المنطقة الأورو-إفريقية (منطقة في استراتيجية أورواسيا) من جهة ثالثة… وربما أيضا لعلاقاته التاريخية بإفريقيا من جهة رابعة، وأيضا اعتبارا لموقفه المتزن من الحرب الروسية الأوكرانية…

أما الكلمة التي ألقاها رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش بذات القمة، فقد دلت بما لا يدع مجالا للشك أن سياسة المغرب في إفريقيا سياسة خاصة ومستقلة، وفيها إشارات إلى أن علاقته بروسيا في ذات المجال الجيوسياسي لن تكون محكومة بعلاقتها بباقي الفاعلين، كأوروبا وأمريكا والصين…

نبهت كلمة رئيس الحكومة باسم المغرب إلى أن هذا الأخير حريص على نهج سياسة “تعدد الشركاء الاستراتيجيين”؛ وهو ما يتوافق وخط سياسي ودبلوماسي تجيده الدولة المغربية، منذ زمنها السلطاني إلى اليوم (المغرب الحديث)؛ كما يعبر ذات الموقف عن استعداد لدى الدولة المغربية لنظام دولي جديد، متعدد الأقطاب على الأرجح، وحسب ما يستشرفه القادة الروس والصينيون.

كما ذكّر رئيس الحكومة بعبارة جاءت في خطاب الملك محمد السادس عام 2014 بأبيدجان (الكوديفوار)، مفادها أن “إفريقيا لا تحتاج إلى مساعدات وإنما إلى شراكات ذات نفع متبادل”؛ وهذه عبارة موجهة في حقيقتها إلى الدول التي اعتادت استنزاف الثروات الإفريقية والتدخل في سياسات الدول الإفريقية، لتنهي استنزافها بحزمة من المساعدات المهينة؛ وقد عُرف الغرب تاريخيا بهذه السياسة في إفريقيا وباقي دول الجنوب، بناء على قاعدة “رابح-خاسر”، وليس “رابح-رابح” كما هو معروف في مبادئ العلاقات الدولية.

ومما جاء في كلمة رئيس الحكومة عزيز أخنوش، التذكير ب”خصوصية العلاقات المغربية الروسية”، والتي تعود في أصلها إلى القرن 18 م، كما تعززت بزيارة الملك محمد السادس إلى روسيا عام 2016. وليس التذكير بهذه العلاقة بالأمر الهامشي والعرَضي، بل هو من جهة تذكير بعمق وقدم العلاقات بين البلدين، ومن جهة ثانية استصحاب للسياق الذي قُررت فيه زيارة 2016، حيث كان المغرب يتعرض آنذاك لابتزاز واضح في قضية الصحراء المغربية. محددان إذن في العلاقة بروسيا، إمبراطورية لإمبراطورية، ومنظار الصحراء المغربية.

أما إشارة رئيس الحكومة إلى تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على الأمنين الغذائي والطاقي في القارة الإفريقية، دون إدانة لأي طرف، فتدل على استمرار المغرب في نهج سياسة الحياد الإيجابي، كما تدل على عدم انخراطه في “البروباغندا الغربية” حول ذات الحرب. وهو ما تقدّره روسيا جيدا، وتعي جيدا أنه أهم من مواقف عدد من الدول التي تردد الموقف الروسي كما هو.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M