القياس في باب الرخص

هوية بريس – د.مصطفى العلوي

مسألة أصولية اختلف فيها أهل الفقه والأصول بناء على اختلاف أقوال الأئمة المتبوعين في الفروع المنقولة عنهم، وليست مبنية على أصل نقلي ولا عقلي محض في سبب الاختلاف فيها.

والقول بالجواز يتأيد بأمور كثيرة أذكر منها:

– أنه قول معتمد عند الجمهور، فهو منقول عن الأربعة، وقيل بأنه قول أكثر المالكية، وانتصر له عدد من المحققين المالكيين كالباجي قديما وابن عاشور حديثا.

– نقل إجماع العلماء على القياس إذا كانت المسكوت عنه أقوى في قيام العلة به من الأصل، بأن تكون المشقة في المقيس أشد منها في الرخصة المقيس عليها.

فيتمسك به في مقام الاستواء بناء على أنه لا فرق في القياس بين المساوي والأولوي.

– التطبيقات الفقهية الجارية على مقتضى ثبوت القياس على الرخص كثيرة، وهي دليل على ضرورة هذا الأصل وصحته.

– من القواعد العامة في الشريعة أنها بنيت على “الجمع بين المتماثلات والتفريق بين المختلفات”، فلا وجه للتفريق بين رخصة وأخرى إن علمت العلة وتحقق من وجودها في الفرع.

– إن عُلم أن القصد من الرخصة هو التخفيف والتيسير لطرو المشقة غير المعتادة فإن هذا الأصل مطرد في الشريعة، فإن أناط الشارع الترخيص بسبب ما، ولم ينف غيره، ولم يدل الدليل على اعتباره بخصوصه، فالأصل المقصدي الكلي يقتضي التسوية بينه وبين أي سبب آخر يساويه.

– الأدلة دلت على عموم حجية القياس، فقصره على باب ومنعه في غيره تخصيص بدون مخصص، وهو تكلف مردود، فيحتاج لدليل قوي، ولا يحتاج القول بالإثبات لمثله، لأن الأصل الإبقاء على العموم.

والدليل هنا يشمل النقلي والعقلي معا، فكما أن الأدلة النقلية المستدل بها على حجيته عامة في جميع الأبواب، فكذا الدليل العقلي وهو التسوية بين المتماثلات عام لا يفرق إلا بدليل.

– لا يسلّم القول بلزوم الحفاظ على العزيمة وألا يخرج منها إلا بقطعي؛ لأن الرخصة في أصلها تثبت بخبر الواحد، وهو ظني، فكيف اشترط في الرخصة الثانية مع قيام أصلها بالظن؟!

وأيضا؛ لا يفرق بين الرخصة والعزيمة من جهة الاعتبار وطلب الشارع، فكلاهما معتبر، وكلاهما مقصود، وكلاهما يشتمل على الحكم والمعاني المرادة من التكليف، وإنما يفرق بينهما من جهة التوقف، فتتوقف الرخصة على تعذر العزيمة أو المشقة في تحصيلها، وهذا يعرف بتحقق العلة بتمامها في المقيس.

– وأخيرا، لا أظن أن قائلا بالمنع يمتنع عن القياس في أحواله الخاصة، فإن القياس يكاد يكون ضروريا مع المستجدات الحديثة والنوازل المتغيرة.

والله أعلم.