القيم في الكتاب المدرسي.. مفتش تربوي: المشكل تفاقم اليوم مع مدارس “الريادة”

هوية بريس-متابعات
قال المفتش التربوي سالم بايشا إن الاهتمام بموضوع القيم في المناهج التربوية والكتب المدرسية أصبح اليوم ضرورة ملحّة، بالنظر إلى التحولات الكبرى التي يشهدها العالم في هذا المجال، مؤكدا أن الاقتصار على المعارف والمهارات لم يعد كافيا لتكوين المتعلمين، بل قد يتحول إلى عنصر خطر إذا انفصل عن التزكية الأخلاقية والقيمية.
جاء ذلك خلال مشاركته في يوم دراسي نظمه مركز المقاصد حول منهجية دراسة القيم في الكتب المدرسية. وأوضح أن العشرين سنة الماضية شهدت اهتمامًا عالميًا متزايدًا بموضوع القيم، بعد عقود هيمنت فيها المقاربة المعرفية والتقنية الخالصة، مشيرًا إلى أن “كبار الخبراء يمكن أن يتحولوا إلى مجرمين محترفين حين تغيب الضوابط القيمية”، وأن العالم أصبح واعيًا بهذه الإشكالية.
وفي السياق ذاته، توقف المتحدث عند المحوري الذي يحتله الكتاب المدرسي داخل المنظومة التعليمية، مبرزًا أنه مجرد وسيلة لتصريف المنهاج وليس هو المنهاج نفسه، غير أن الواقع – حسب قوله – يكشف أن الكتاب أصبح “كل شيء”، وأن الأستاذ بات في كثير من الأحيان مجرد منفذ لمحتواه بدل أن يكون منتجًا للتعلم.
ولفت إلى أن هذا الوضع ازداد تعقيدًا مع مدارس “الريادة”، حيث لم يعد الأمر مقتصرًا على الكتاب المدرسي، بل انتقل إلى اعتماد مضامين جاهزة للدرس تصل إلى الأساتذة عبر شفافات تقدم ليلاً لتطبيقها صباحًا، وهو ما اعتبره “مشكلًا كبيرًا” يفاقم من أزمة الممارسة التربوية.
كما شدد بايشا على أهمية دراسة القيم انطلاقًا من متن الكتب لا من وثائق المنهاج فحسب، لأنها المصدر المباشر لتلقي المتعلم، منبّهًا إلى وجود تحولات واضحة في التربية التاريخية داخل المدرسة المغربية، أسهمت في تراجع معرفة المتعلمين بمحطات التاريخ الوطني والإسلامي مقارنة بالأجيال السابقة.
وفي معرض حديثه، توقف المفتش التربوي عند نتائج دراسة مغاربية حديثة خلصت إلى غياب شبه تام لموضوع القدس وفلسطين في الكتب المدرسية خاصة في التعليم الابتدائي، معتبرًا أن الأمر يستدعي يقظة بحثية دائمة لحماية الثوابت والقيم المشتركة.
وقدّم بايشا في ختام مداخلته تصوّرًا عمليًا لمشروع البحث المقترح، يقوم على تحليل مضمون الكتب المدرسية والوثائق المؤطرة، وتحديد القيم التي تبثها، ومدى انسجامها مع اختيارات المنهاج والدستور، مع اعتماد أدوات بحث دقيقة تشمل شبكات التحليل، والمقابلات، والاستبيانات، والملاحظة الصفية، وصولًا إلى توصيات علمية قابلة للتنفيذ.
وأوضح أن المتن المستهدف ضخم ويفوق 200 كتاب، ما يتطلب تحديد مواد ومستويات بحسب إمكانات الفريق البحثي، وتقسيم المشروع إلى مراحل متتالية، معتبرًا أن المقاربة العلمية الدقيقة قادرة على كشف الثغرات وتوجيه السياسات التربوية نحو منظومة قيمية إيجابية.



