“فلو قال قائل إن العالم منذ خلق الله سبحانه وتعالى أدم وإلى الآن لم يبتلوا بمثلها لكان صادقًا، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها”.
بذا علّق المؤرخ الإسلامي ابن الأثير على الاجتياح التتري الهمجي للعالم الإسلامي، ولهول هذه الفاجعة أعرض هذا المؤرخ المتوفي سنة 630هـ، عن ذكر هذه الحادثة استعظامًا لها، لكنه لم يكن يدري أنه بعد موته بنحوالي ربع قرن، ستشهد بغداد أسوأ مذبحة عرفتها البشرية أثناء اجتياح هولاكو- حفيد جنكيز خان ملك التتار- عاصمة الخلافة بخيانة الرافضة.
خيانة هزت التاريخ
كان الخليفة العباسي المستعصم ضعيف الرأي قليل المعرفة والتدبير، وكان من ذلك أن عيّن له وزيرًا رافضيًا هو محمد بن العلقمي، ذلك الرجل الذي كان يبغض أهل السنة ويرغب في القضاء على الخلافة وإقامة دولة رافضية مجوسية.
لقد سعى ابن العلقمي إلى إضعاف اقتصاد البلاد وجيشها، فجعل يبدد أموال الخزانة في التفاهات والحفلات والولائم، وهو الأمر الذي كان يروق للخليفة المُغيّب.
وحارب الجندَ في أرزاقهم وأسقط أسماءهم من الديوان وصرفهم عن إقطاعاتهم حتى تسوّلوا في الطرقات، وقام كذلك بتخفيض عدد الجند من مائة ألف إلى عشرة آلاف.
وبعدما اطمئن إلى إضعاف الجيش واقتصاد البلاد بدأ في مراسلة التتار ليدعموه في إقامة مُلكه الرافضي على أشلاء السنة، وبلغ من مكره أنه كان يقوم بحلق شعر الرسول والكتابة على رأسه بوخز الإبر ويغطيه بالكحل ويبقيه عنده حتى ينمو شعره، ويأمره إذا وصل إلى التتار أن يطلب منهم حلق شعره وقراءة ما على رأسه، وكان آخر الرسالة: “قطّعوا الورقة”، ففهم التتار الرسالة وقتلوا الرسول.
وعندما قدم التتار بقيادة هولاكو، نهى ابن العلقمي عن قتالهم، وأوهم الخليفة أن ملك التتار يرغب في مصالحته على أن يكون له نصف خراج العراق والنصف الآخر للخليفة، وفي المقابل أقنع هولاكو بألا يقبل صلح الخليفة، وأوعز له بقتله.
تمت الخيانة فكانت الفاجعة الكبرى…
فلا تسل عن الدماء التي كانت تسيل من ميازيب الأسطح، ولا النهر الذي اصطبغ بلون الأحبار… أحبار مخطوطات المكتبة بل هي كنوز التراث.. ولا تسل عن الأعراض التي انتهكت…يكفيك ما قاله المؤرخون: “وعادت بغداد بعد ما كانت أنس المدن كلها كأنها خراب ليس فيها إلا القليل من الناس، وهم في خوف وجوع وذلّة وقلّة”.
كابوس العصر
سجَّل التاريخ ودمعت الأقلام على الأوراق، وتناقل القوم المأساة في كل حقبة وعصر، ولا يزال في الأمة أحفاد ابن العلقمي يمارسون دورهم المحبّب إليهم من طعن الأمة في ظهرها.
قاد الخميني ثورته المجوسية المشئومة، ورغب على الفور في تصديرها لدول المنطقة، لكنه قد أخفق أمام بوابة العراق المُحكمة، والتي أردوا اجتياح الدول الإسلامية من خلال عبورها، فكانت حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران.
لكن مع انطلاق الألفية الثانية تحققت أحلامهم المجوسية في احتلال العراق، وجاؤوا إلى سدة الحكم على الدبابات الأمريكية، بعد أن خانوا البلاد والعباد، وسلموا العراق للأمريكان على طبق من ذهب.
يا قوم:
أنسيتم فتاوى مرجعياتهم في العراق بعدم مقاومة المحتل الأمريكي؟
أنسيتم اعتراف أحمدي نجاد بأن إيران سهّلت لأمريكا غزو العراق؟
أنسيتم قيام الميلشيات والعشائر الشيعية بقتال المقاومة السنية، التي كانت بين مطرقة الأمريكان وسندان المجوس؟
ولولا دعم الإيرانيون المجوس وأذنابهم في العراق لما سقطت بغداد، ولكن ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا.
حصاد العراق لبغي الأمريكان وخيانة المجوس
وكما كان عدد ضحايا الاجتياح التتري لبغداد قد بلغ مليونًا وقيل مليونيين على اختلاف بين المؤرخين، كان عدد الضحايا بسبب العدوان الأمريكي عليها مقاربًا.
نشر موقع “ألترنت” الأمريكي المعارض للحرب تقريرًا عام 2009م، يفيد بأن حرب بوش على العراق أسفرت عن مقتل مليون نسمة.
كشفت الدراسات الوبائية الميدانية لعدد من المنظمات الدولية، أن الفلوجة العراقية التي ضربها الاحتلال الأمريكي بـ 90 الف طن من اليورانيوم المنضب، تشهد أعلى معدلات السرطان في العالم، وأكثر من الحالات التي سببتها القنبلتين الذريتين الأمريكيتين في هيروشيما وناغازاكي عام 1945.
أشارت تقديرات الأمم المتحدة إلى أن هناك نحو 4.5 مليون مشرد عراقي، أكثر من نصفهم لاجئين، أي نحو واحد من بين كل ستة مواطنين.
حسب (منظمة اليونيسيف): بلغ عدد اليتامى في صفوف أطفال العراق منذ الاحتلال الأميركي 5 ملايين يتيم عراقي.. تعيلهم 1.5 مليون أرملة..
تم تدمير 84% من مؤسسات التعليم، حيث تعرضت للتدمير والتخريب والنهب من قبل الرعاع ومافيا الاحتلال.
نهبت المتاحف التاريخية الأثرية وسرقت الوثائق والمخطوطات داخل متاحف بغداد، في أكبر عملية سرقة معاصرة للتراث.
هذا غيض من فيض، من آثار العدوان الأمريكي على العراق، بالإضافة إلى الكوارث البيئية والصحية والنفسية والاجتماعية التي لحقت بالعراقيين، والفقر المدقع الذي عاش العراقيون في يحمومه، لدرجة أن hلإعلامي أحمد منصور، قد سجل مشاهداته لنتائج الحصار الغاشم على صفحات كتابه “قصة سقوط بغداد”، حيث رأى أساتذة الجامعات يبيعون كتبهم في الطرقات بأسعار زهيدة، ليأكلوا بثمنها.
العراق ولاية إيرانية
هذا هو أقل وصف تُنعت به العراق بعد أن تمكنت منها إيران، فكما اتجه الرئيس الإيراني أحمدي نجاد لـ “تفريس” كل جوانب الحياة الإيرانية، انسحب ذلك على العراق التي احتلها المجوس، خاصة في جنوبي العراق، حيث يتمركز الشيعة.
وقد نقلت جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 18-5-2007م، عن طبيب عراقي بالبصرة قوله: “صار علينا أن نتعلم اللغة الفارسية حتى نتمكن من التفاهم مع الناس هنا”.
أصبحت العراق ولاية إيرانية عندما قفزت عليها الحكومة الشيعية الموالية لإيران، كانت ولا تزال تتعامل مع طهران معاملة التابع للسيد، وتعتبر أن الإدارة العراقية إنما هي في قُم، تتماهى مع السياسة الإيرانية لدرجة مفضوحة، فإذا اتجهت إيران لإرسال مقاتلين إلى سوريا لدعم الأسد، تبادر الحكومة العراقية لإرسال المتطوعين تحت مزاعم حماية العتبات المقدسة.
وأصبحت ولاية إيرانية عندما تمددت فيها الميلشيات الموالية لإيران، مثل “سرايا الخراساني”، وهو الاسم الذي عرف به الخميني بين أتباعه المقربين.
تلك الميليشيات التي تعيث في الأرض فسادًا، وتقتل أهل السنة، وتغتصب الحرائر، وتسفك الدماء على الهوية، من أجل عيون دولتهم الأم (إيران)، ولتكريس الحلم الفارسي المجوسي.
لقد أصبحت العراق ولاية إيرانية، حينما تنفذ فيها الإيرانيون وصاروا أصحاب الكلمة على أرضها، أليس مرجعهم علي السيستاني الذي لا يحسن التكلم باللغة العربية إيرانيًا، ولد في “مشهد” ويُنسب إلى محافظة سيستان الإيرانية؟
أليس الجنرال قاسم سليماني الذي قاد العمليات العسكرية في العراق ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وضد الفصائل الجهادية إيرانيًا؟
بل إن هناك أسماء فارسية لامعة تولت مناصبها بأسماء عربية، بحسب ما ذكرت الجزيرة نت بتاريخ 12-1-2007م، على سبيل المثال:
كريم شهبور….هو موفق الربيعي
عبد العزيز طبطبائي…..هو عبد العزيز عبد الحكيم
إبراهيم الأشيقر…..هو إبراهيم الجعفري
عادل أصفهاني….هو حامد البياتي
العراق… لماذا؟
هذا الحرص الإيراني الصفوي على ابتلاع العراق يرجع إلى أن تلك البقاع كانت مهد التشيّع الأول، وفيها كذلك المراقد الشيعية وعتباتهم المقدسة التي هي قبلة الصفويين الإيرانيين وكعبتهم.
كما أن للعراق أهمية استراتيجية لإيران، حيث إنها تمثل البوابة الشرقية للوطن العربي.
وإيران في الوقت نفسه، تعتبر أرض العراق امتدادًا طبيعيًا لحضارتها الفارسية المجوسية، التي سادت هذه البقاع، ثم جاء الفتح الإسلامي في خلافة عمر بن الخطاب، لتنطفئ نار المجوس ويسقط عرش الأكاسرة، ولذا يُكنّ هؤلاء الصفويون حقدًا دفينًا للفاروق بصفة خاصة، ومن ثم يحتفلون بقاتله “أبو لؤلؤة المجوسي” ويسمونه “بابا شجاع الدين”، ولديهم من الكراهية تجاهه ما جعلهم يقتلون أربعة آلاف مسلم لأنهم تسموا باسم “عمر”.
ولكن قبل ذلك وبعده وفي كل آونة أُحذر أمتي…أحذرهم من أحفاد العلقمي..