“الكتاتيب القرآنية” أشرف من أبراج الوهم التي يسكنها الفايد

هوية بريس – كمال عصامي
في كل مرة يخرج علينا الدكتور محمد الفايد بمقاطع مصورة، نعتقد لأول وهلة أنها تتعلق بالتغذية أو نمط الحياة، لكننا نفاجأ بانزلاقاته اللفظية، وسقطاته الفكرية، التي تجاوزت – في الآونة الأخيرة – حدود الرأي، لتصير إساءة مباشرة لقيم المجتمع المغربي، وثوابته، ومؤسساته.
لقد استمعتُ -بكل أسف- إلى أحد الفيديوهات الأخيرة لهذا الشخص، وهو يتحدث باحتقار صريح عن الشباب والأطفال الذين يتخرجون من الكتاتيب والمدارس العتيقة والمعاهد القرآنية. بل بلغ به الغرور مبلغًا جعله يستخفّ بهم، وكأنهم عبء على الأمة، لا رصيدًا لها.
إننا قد نختلف فكريًا أو ثقافيًا مع مفكرين أو مثقفين من مشارب متعددة، كما هو الحال مع أحمد عصيد أو غيره، لكننا -على الأقل- نعلم أنهم ينطلقون من خلفيات فكرية واضحة، ومنطق داخلي يمكن مناقشته أو نقده. أما الدكتور الفايد، فإن كلامه لا يخضع لأي نسق فكري، ولا يتأسس على منطق متماسك، بل يبدو -في مرات كثيرة- كمن يتكلم بلا وعي أو اتزان، وبتناقضات تُثير القلق.
تصريحاته الأخيرة لا ينبغي السكوت عنها، لأنها تطعن في العمق الحضاري والديني للمملكة، وتزدري مؤسسات شرعية أصيلة، مثل المدارس العتيقة والكتاتيب القرآنية، التي لطالما كانت منارات علم وتربية، ترعاها الدولة المغربية تحت القيادة الرشيدة لأمير المؤمنين، جلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي ما فتئ يولِي عناية خاصة لأهل القرآن، ويحرص على صيانة هذا التراث التربوي والديني العريق.
ومن المؤسف أن يتحوّل من يفترض فيه التوجيه والإفادة في مجاله، إلى مصدر تشويش وعداء لكل ما يربط المغاربة بثقافتهم الدينية الأصيلة. وليس من المقبول أن يعتلي منابر الإعلام الرقمي، من يتحدث بهذه الخفة عن قِلاع تربوية أسست لهوية المغاربة عبر قرون.
إن السكوت عن مثل هذه التصريحات لم يعد مقبولًا، والصبر على هذا النوع من الخطاب المُشوِّه، يُهدد وحدة المغاربة حول ثوابتهم. فمن يتجرأ على احتقار أهل القرآن، لا يُسيء إلى فئة محدودة، بل يطعن في عمق هذا الوطن، وفي عقيدته التي بُني عليها، وفي رمزيته الدينية التي يمثلها أمير المؤمنين.
فلْيتوقف هذا الخطاب الذي يسمم الأذهان ويزرع الاحتقار. وليُقَل بوضوح: إن من يحتقر حملة كتاب الله، هو من يجب أن يُسائل نفسه، ويُراجع منطقه، قبل أن يتحدث باسم العلم أو يلبس ثوب التوجيه.



