“الكلمة السواء” بين المعنى الصحيح والاستغلال القبيح
هوية بريس – عبد المجيد الأحمدي
سبب هذه الكتابة ما شاهدته في قناة مغربية عمومية في برنامج سمي “كلمة سواء” ومن أسوء ما في البرنامج خلط ألفاظ الآذان -في لحظة واحدة- مع تراتيل مسيحية ويهودية…الالتفاف حول مفهوم وحدة الأديان.
ويستدل البرنامج على آرائه ب ” الكلمة السواء” التي جاءت في القرآن الكريم في قوله تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) [آل عمران:63].
هذه “الكلمة السواء” يجرى توظيفها توظيفا مبهما واستغلالها استغلالا بشعا وقبيحا ومنحرفا، حيث تبتر من سياقها في الآية، كما يتم بتر الآية – أيضا – عن سياقها القرآني وفصلها عن الآيات التي قبلها والتي بعدها، ويقع هذا التوظيف المنحرف بشكل مكثف في وسائل الإعلام والمقررات الدراسية.
لقد جاءت الآية في سياق عرض قضية التوحيد ونفي الولد والشريك عن الله تعالى، وبيان زيف هذه الأباطيل عند اليهود والنصارى، وبيان حقيقة الإسلام وأنه الدين الحق، ودعوة أهل الكتاب إليه، ومع هذا كله، توظف الآية وتستغل استغلال منحرفا للقول بأن المسلمين سواء مع أهل الكتاب، وتوظف للإشارة –ولو من طرف خفي- إلى أن الإسلام لا يختلف كثيرا عن اليهودية والنصرانية باعتبارها ديانات سماوية، وأن ما كان من اختلاف فهو اختلاف طفيف لا يفسد للود قضية، وهذا غير صحيح كما يعلمه كل مسلم ومسيحي ويهودي.
إن الآية تدعو لمحاورة أهل الكتاب – يهودا ونصارى- انطلاقا من كلمة سواء، وهي كلمة التوحيد، باعتباره –أي التوحيد- المستوى الذي يقف أمامه الجميع وهم متساوون، ولأن أرضية الحوار ومنطلقه – عند العقلاء- هي المتفق عليه، ولو على مستوى المزاعم، كما هو شأن قضية التوحيد عند اليهود والنصارى، ولذلك قال تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ…).
فاليهود والنصارى والمسلمون، يرى كل واحد منهم أن دينه هو الحق، ومادام جوهر الدين الحق هو التوحيد، فإن الإسلام يدعوهم للحوار انطلاقا من هذا الجوهر واعتباره- أي التوحيد – معيارا ومقياسا لقياس صدق كل دين وأحقيته، على أن يتم تمحيص هذه الأديان وعرضها وفحصها تحت مسبار التوحيد، وذلك معنى قوله تعالى: (أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ)
والقيام بهذا العمل، أي بحث قضية التوحيد (الكلمة السواء) في اليهودية والنصرانية، يبين بكل سهولة أنها ديانات انحرفت وخرجت عن توحيد الله تعالى، وضاع منها جوهر الدين (الكلمة السواء=التوحيد) وبذلك فقدت أحقيتها وصدقها، وتكون النتيجة الطبيعية والمنطقية لهذا الحوار وهذا الفحص وهذه المقارنة، أن الإسلام دين الحق وما سواه باطل، ولذلك قال تعالى في الآية نفسها (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)
ولا أدل على انحراف دياناتهم وفساد عقائدهم من هذه الآية الواضحة الساطعة: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) [التوبة:30] فأي توحيد بعد نسبة الولد لله عز وجل؟؟ تعالى ربنا – نحن المسلمين – عن ذلك علوا كبيرا…وأي “سواء” بين دين ينسب أصحابُه الولدَ لله تعالى، ودين يحفظُ الأطفالُ فيه منذ نعومة أظفارهم قولَه تعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)) [سورة الإخلاص]
قال سيد قطب رحمه الله (فهذه المقابلة بين المسلمين ومن يتخذ بعضهم أربابا من دون الله تقرر بوضوح حاسم من هم المسلمون) (في ظلال القرآن ج 3 ص 406)
إن هذه الآية تميز الإسلام عن غيره من الديانات بالتوحيد ولا تخلطه أو تميعه معها بدعوى “السواء المزعوم”، كما تدعو لإعلان التمسك بالإسلام اعتزازا وتميُّزًا ويقينا بعد قيام الدليل القاطع القائم على المحاورة والمناظرة والمقارنة، ولا تدعو البتة لخلط الإسلام بغيره من الديانات والزعم أننا سواء مع أهل الكتاب بدعوى “السواء المزعزم”، قال ابن عطية رحمه الله: “وقوله تعالى : (فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون) أمرَ بتصريح مخالفتهم بمخاطبتهم ومواجهتهم بذلك، وإشهادهم على معنى التوبيخ والتهديد، أي سترون أنتم أيها المتولون عاقبة توليكم كيف تكون ).(المحرر الوجيز ج1 ص 435).
وأقول لمن يحرفون الكلم من بعد مواضعه: “إنكم تتكلمون في ديننا بكلام ليس من ديننا” وأن الله عز وجل أقام لدينه (عدولًا من كل خَلَفٍ، ينفون عنه انتحال المبطلين، وتحريف الغالين، إلى يوم الدين) و(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)[آل عمران:19]
تحليل شيق