الكنبوري: الديمقراطية في سوريا سوف تغتال الثورة
هوية بريس – إدريس الكنبوري
التجربة السورية معرضة للتهديد من الداخل والخارج، نظرا لموقع سوريا في قلب العالم العربي ثم ارتباطها بمنطقة الشام التي يعرف العدو قبل الصديق قيمتها في الإسلام ثم وجود اصرائيل قربها ثم مرجعية صانعي الثورة فيها ثم محيطها العربي الجامد الذي يكره الثورات وينفق على قتلها.
لكن العامل الداخلي أخطر، ومن أخطر العوامل: الديمقراطية المستعجلة.
هل تحتاج سوريا إلى الديمقراطية الآن؟
الديمقراطية في سوريا سوف تغتال الثورة، لأنها ستكون مغامرة خطيرة. بالطبع هذا الرأي سوف ينفر منه الكثيرون، ليس لأن الديمقراطية كلمة مصنوعة من الذهب فحسب بل لأن الجميع يحب ما يلمع، لكن ليس كل ما يلمع ذهبا.
الأوضاع في المجتمعات العربية ما بعد الثورات تحتاج مستبدا عادلا محاطا بأهل الحل والعقد من ذوي الدين والخبرة لتنظيم المجتمع والدولة، يقسمون على القرآن ويصدر قانون خاص يمنعهم من مزاولة أي منصب أو مسؤولية في الدولة أو الترشح للانتخابات. وتتم تهيئة الشروط الموضوعية للديمقراطية خلال فترة لا تقل عن عشر سنوات ولا تتجاوز العشرين، يتم خلالها تغيير مناهج التعليم وحل جميع الأحزاب السياسية السابقة ومنع جميع ممارسي السياسة السابقين من ممارستها عدا من ثبتت نظافة يده.
قد يعتبر البعض مثل هذا الرأي غير صائب أو حالما، ولكننا نحاكم هؤلاء إلى أفكارهم القديمة أو الحالية، أليس من كانوا يدعون إلى دولة اشتراكية كانوا يرفضون الديمقراطية ويؤمنون بالحزب الوحيد؟ فما هو الأفضل، حكم طويل دائم غير ديمقراطي أم حكم طويل مؤقت يمهد للديمقراطية؟ أليس الإسلاميون ينادون بدولة إسلامية؟ هل يعتقدون أن هذه الدولة الإسلامية ستحكم خمس سنوات ثم يليها حكم مخالف خمس سنوات ثم ثم؟ فمسألة الديمقراطية غير واضحة عندنا، ومن ينادون بها ليس لأنهم يؤمنون بها بل فقط لأنهم غير راضين على الأنظمة الموجودة، وليس هناك من لديه تصور واضح حول اليوم التالي، كلهم لديهم تصور حول الدولة التي يريدون لا حول اليوم الموالي.
الدولة العربية ما بعد التغيير تحتاج إلى نوعية معينة من الديمقراطية، لا الشكل الموجود في الغرب. لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية مثلا يحصل فيها الاختلاف حول تحرير فلسطين، لأن الديمقراطية التي تمس ثوابت الأمة لا تناسب المجتمعات العربية. فهذا مجرد مثال، لأن بعض أنصار الديمقراطية العلمانية أمثال السوري برهان غليون يطالبون بدولة ديمقراطية دون هوية، أي دولة بدون ثوابت عدا الثوابت الدستورية، وهذه الدولة المجردة للأسف أصبح يؤيدها ضمنا حتى بعض غير العلمانيين، مع أن الدولة في الإسلام ليست مجردة، لكن عدم التجريد لا يعني عدم الديمقراطية.
عندما حصلت مذابح رواندا عام 1994 بين التوتسي والهوتو كتب أحد الخبراء الفرنسيين مقالا هاما قال فيه إن أوروبا خربت المجتمعات الإفريقية بالديمقراطية، لأنها مجتمعات ذات تركيبة خاصة قبلية وعرقية واثنية، والديمقراطية تؤدي إلى خلخلة التوازن، إذا افترضنا مثلا أن قبيلة ألف تمثل 15 في المائة من السكان و القبيلة باء تمثل 60 في المائة و القبيلة جيم 25، وحصلت القبيلة ألف على 51 في المائة من الاصوات فلا بد من حرب أهلية، وهذا هو بالضبط تماما ما حصل في رواندا.
اليوم جميع الخبراء الأوروبيين يناقشون الحروب الأهلية في افريقيا، ولكن لا أحد يرد السبب إلى الديمقراطية الغربية أحد أهم الأسباب، لأنهم لا يستطيعون انتقاد الديمقراطية.
هذا مثال من افريقيا المتخلفة. نأتي الآن إلى مثال من أعرق الديمقراطيات الغربية.
عام 2020 صوتت غالبية البريطانيين على قانون الخروج من الاتحاد الأوروبي المسمى بريكسيت، فكانت النتيجة أن مفكرين وخبراء بريطانيين وأوروبيين أخذوا يهاجمون الديمقراطية لأنها منحت حق القرار في قضية كبرى تهم بريطانيا إلى العامة، وكتبت أعرق مجلة بريطانية هي ذي ايكونومست افتتاحية بهذا المضمون، وحسب المحللين فتلك المرة الأولى التي تتم فيها مهاجمة الديمقراطية علنا في أوروبا، فالديمقراطية بهذا المعنى هي أن تجمع خمسين شخصا في قاعة وتطلب منهم التصويت، مع أنك تعرف أن أربعين منهم أميون، وتعرف النتيجة مسبقا. وقد قال رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل بأن الديمقراطية أسوأ نظام عرفته البشرية، وليس هناك أسوأ من نظام يفرض على الناس حكما بفارق شخص واحد إذا كانت النتيجة 51 في المائة، وكان 49 الباقون من الأذكياء.