الكنبوري: عدم تجريم لجنة الحريات التونسية للشذوذ ومسها بالإرث قد يجر البلد إلى حرب داخلية ومواجهات دموية
هوية بريس – عابد عبد المنعم
اعتبر د.إدريس الكنبوري أن “ما يجري في تونس قد يدخل البلاد في حرب داخلية ومواجهات دموية. البلد الذي بدأ منه الربيع العربي واعتقد الكثيرون أنه سيكون نموذجا في الديمقراطية أصبح نموذجا في الاتجاه المضاد. آلاف التونسيين خرجوا للاحتجاج ضد تقرير لجنة الحريات التي أقرت المساواة في الإرث وإلغاء المهر والعدة للمطلقة والأرملة وعدم تجريم الشذوذ، ويطالبون بسحب التقرير. جزء من النخبة التونسية بدأ يطلق صيحات الإنذار خوفا من الانفجار”.
وأضاف الباحث في قضايا الفكر الإسلامي ومقارنة الأديان “عمليا وفي الواقع القضية مطبوخة خارج تونس. هناك قوى دولية تريد للدول العربية أن تظل منقسمة على الدوام وغير متفقة وبعضها يمزق بعضا. عوض أن تفعل ذلك بالمدفع والكرباج صارت أكثر ذكاء وأدخلت المصطلحات التي صارت لها قوة المدافع. الناس تمزق بعضها البعض لمجرد كلمات مثل الحداثة والعلمانية والدولة المدنية وغيرها. صار للكلمة مفعول سلاح الدمار الشامل الذي يؤدي مفعوله في مجتمعات متخلفة جائعة فقيرة بلا هوية ولا شخصية ولا كرامة.
..هذه القوى الدولية تعرف أكثر مني بكثير جدا أن قضايا الدين حساسة في مجتمعات مسلمة، وتعرف أن المساس بها يؤدي إلى خلخلة البناء، لذلك تركز على المساس بها باستمرار لكي يستمر البناء مهدوما ولا تقوم للناس قائمة. أول ما يصنعونه بعد رفع شعار الديمقراطية هو الدعوة إلى قضايا مثل المساواة في الإرث وغير ذلك على اعتبار ذلك من الديمقراطية. يغفلون أن الحاكم لا ينتخب وأن الانتخابات تباع وأن النائب سمسار وأن القوانين تكتب لكي يدوسها الكبار ومع ذلك يختزلون الديمقراطية في قضايا الدين لأنهم لا يريدون خلخلة السياسة. فرنسا في فرنسا تعتبر قيم الجمهورية مقدسة لكن فرنسا في غير فرنسا تعتبر أن قيم الناس لا تستحق التقديس، حتى وإن كانت قيمهم مكتوبة بالقلم على الورق وقيم الناس وحيا”.
الكنبوري أكد في تدوينة له على الفايسبوك “قلنا غير مرة إن قضية الإرث ليست مطروحة بالحدة التي يتصورها أمثال هؤلاء -يتصورونها كلمة مبالغ فيها لأن الحقيقة أنهم يعرفونها- وأن الكثير من العائلات ليس لديها ما توزعه على الورثة سوى الفقر. في مجتمعات الفقر والبطالة والحاجة ماذا سيورث الميت الفقير؟ فالقضية قضية ثروة وطنية ودوران المنفعة بين الجميع. وإذا هناك مجتمع مدني مثلا -في الخيال- لمن نعطي الأولوية، للثروة التي تنتجها الجماعة أم تلك التي ينتجها الفرد؟ ثروة الجماعة طبعا هي التي يجب أن تكون محل تساؤل. الإسلام لديه نفس الرؤية، لذلك على سبيل المثال يقدم الزكاة على الصدقة، لأن الزكاة حق الجماعة بينما الصدقة حق للفرد مع أنها ليست حقا.
ليختتم بعد ذلك تدوينته بقوله “هناك تجاوزات رهيبة في قضايا الإرث في حالات كثيرة في المغرب وفي غير المغرب. هناك حالات كثيرة فيها هضم للحقوق وفيها الباطل وفيها خرق لأخلاق الإسلام، والسبب ليس هو النص بل الممارسة الاجتماعية. وتعجبني كثيرا عبارة جميلة لابن رشد رحمه الله ـ التنويري الخطير والماركسي الصنديد ـ قالها في كتاب فصل المقال مفادها: إن كان هناك شخص شرق -يعني اختنق- بشرب الماء هل نمنع الماء؟ مثل هذه الحالات يجب أن يعاد النظر فيها في أفق صياغة منهجية فقهية جديدة تتعامل مع المستجدات. أما اللجنة التونسية الشهيرة، فكان عليها -لو كان أعضاؤها يعقلون فعلا ويريدون الإصلاح ولا يتعاملون بالبرقيات والأظرفة- فكان عليها أن تقول: نحافظ على الإرث كما هو في الشريعة، ونضع قانونا يسمح لمن لا يريد الشريعة أن يورث كما يشاء. بدل أن تفعل العكس، تضع قانونا للمساواة في الإرث وتترك لمن يريد الشريعة حق العمل بها، وبالتالي يصبح الأصل فرعا والعكس أيضا، ويصبح المسلمون في تونس أقلية مقابل أغلبية هي الأقلية. بهذا أفهم أن الأمر منطقي لأن الحرية هي الأصل”اهـ.