الكنبوري: كورونا وعودة التشدد.. هؤلاء لم يروا ما يحصل في إسرائيل وأمريكا وعندنا يقيمون زلزالا
هوية بريس – عابد عبد المنعم
قال د.إدريس الكنبوري أنه “خلال أقل من شهر تقريبا كشف العالم عن وجه آخر له لم يكن معروفا على نطاق واسع، أو كان متسترا وراء غشاوة رقيقة من الإعلام الموجه. إنه عودة ما هو ديني le Retour du Religieux”.
وأضاف الباحث في علم الأديان “لا توجد اليوم أمة من الأمم في العالم لم تفكر في دينها ولم ترفع أصواتها بالدعاء ومخاطبة السماء. كل من كان له دين تذكره ولجأ إليه.
بعض الأصوات المعزولة هنا في المغرب، بسبب انتمائها الديني، أعلنت مواقف شفاهية ضد الحجر الصحي، وتم اتهام بعض الشباب بأنهم خرجوا إلى الشارع بدافع ديني، أعني تنظيمي لا عفوي كأي مغربي. بسبب التخلف الحضاري والثقافي والحقد الإيديولوجي المتبادل من الطرفين منذ سنوات تم تضخيم الأمر أكثر من اللازم.
لكن هؤلاء لم يروا ما حصل ويحصل حتى الآن في إسرائيل، حيث رفضت طائفة الحريديم، وهي الطائفة اليهودية الأورثوذوكسية، الانصياع لأوامر الحجر الصحي، رغم أن المعلومات تفيد بأن كورونا انتشرت بينهم أكثر بسبب نمط الحياة الجماعية التي يعيشونها، ودخل هؤلاء في مواجهات مع الجيش الإسرائيلي. لكن ليس هناك من ضخم الأمر فوق اللازم، كل ما فيه مواطنون إسرائيليون لديهم قناعات في مواجهة الدول ويجب أن ينصاعوا إلى القانون.
بكل بساطة، مثل أي سائق سيارة مخمور لا يريد الانضباط للشرطة. لكن عندنا نحن، زلزال وخروج الدجال ويوم القيامة، بينما الأمر لا يتعدى بضعة أشخاص جهلة”.
وكشف المفكر المغربي أن “موقف هؤلاء لا يقل عن موقف مثقفين فرنسيين ليبراليين ويمينيين احتجوا على فرض الحجر الصحي ضدا على الحريات الفردية، التي هي القيمة الأساسية لليبرالية، وانتقدوا حكومة ماكرون. إنه نفس الموقف المتشدد، لكن هذا بالدين وهذا بالليبرالية. السؤال: هل يمكن أن يكون هناك تشدد وتطرف باسم الليبرالية؟ بالطبع، الاستعمار كان إرهابا وتوسعا باسم… اليبرالية.
بعضنا عاتب بعض المغاربة الذين دعوا إلى الصلاة أو الدعاء، وهذا موقف صادر عن مواطنين لهم كامل الحرية في التصرف باسم الحرية الفردية والجماعية معا، ولم يكن صادرا عن مؤسسة أو هيئة. لكن ماذا عن رئيس أكبر دولة هي أمريكا، حيث دعا ترامب الشعب الأمريكي كله، حتى الذين يوجدون خارج أمريكا، إلى تخصيص يوم كامل للصلاة في عيد القيامة يوم 12 أبريل الجاري. السؤال: لماذا نلوم هؤلاء ولا نلوم ترامب؟ الجواب: لأن المغلوب مولع بتقليد الغالب كما قال ابن خلدون، لكن هنا صار المغلوب يسكت عن الغالب.
أكثر من ذلك، بابا الفاتيكان دعا إلى الصلاة وإعادة إحياء علاقة جميع المؤمنين في العالم بالدين، في مواجهة فيروس كورونا. لم يقل أحد شيئا، لأنه البابا، ولأنه زعيم المسيحيين، قلب أوروبا وهويتها”.
وأضاف الكنبوري “في أمريكا خرج مواطنون يدعون الناس إلى العودة إلى الدين، منهم شاب متدين خرج في شارع نيويورك يصرخ في المواطنين طالبا منهم الرجوع إلى الدين لأن المسيح سيعود، ويطلب منهم التوبة، ويفضح الممارسات الفردية والاجتماعية الشاذة في أمريكا، فهذا واحد منهم وأعرف بهم منا.
هناك حالات كثيرة جدا لا يتسع لها المجال. هذا دون الحديث عن التشدد المقابل، تشدد الملحدين واللادينيين.
لو أعملنا العقل -العقل الناقد لا العقل الحاقد- لتوصلنا إلى نتائج مثيرة: أنا شخصيا أدرك أن نسبة التشدد في الإسلام كدين، وفي التاريخ الإسلامي، لا تتعدى 10 في المائة، بينما هي في المسيحية لا تتعدى 40 في المائة، وفي اليهودية ما بين 70 إلى 90 في المائة.
لكن عودة ما هو ديني ليست أمرا سارا. يمكن للمسلمين أن يفرحوا لفكرة عودة الدين، لكن هذا ليس خبرا سارا للجميع.
عودة الديني تعني عودة الحروب القاتلة بين أتباع الديانات المختلفة. اليوم بسبب تراكم الأحقاد بين الأمم والشعوب، وصحوة الهويات الوطنية والقومية والعرقية، سنكون لا قدر الله أمام حروب لا تبقي ولا تذر.
أعتقد أن هذا لا مفر منه أبدا لأن الأمر لا يتعلق بمجرد تمنيات بل بوقائع قاسية. أوروبا منذ قرن وزيارة اعتادت على امتصاص خيرات الشعوب الفقيرة وهي لن تتراجع بمجرد نصيحة أو توصية، وسوف تقوم بكل ما يلزم للحفاظ على الوضع القائم لأن فقدانه يعني فقدان موقعها في العالم. من الصعب أن تقنع عجوزا كبر على السرقة منذ كان ابن سبع سنوات بأن يكف عنها. اليهود لن يتخلوا عن مكاسبهم في كل مكان، ولن يتراجعوا أمام اليمين المتطرف في أوروبا”.
ولمواجهة هذا السيناريو الذي اعتبره الكنبوري كارثيا لن يكون هناك حل سوى “بأن يتجمع الحكماء من كل دين لكي يوحدوا كلمتهم في مواجهة عالم يتساقط. وليس هناك دين يمكنه أن يجمع الآخرين على كلمة سواء بدون أحقاد أو خلفيات سوى الإسلام، ويمكن للمسلمين أن يطرحوا مبادرة في هذا الاتجاه. لكن المشكلة اليوم في المسلمين أنفسهم، فهم متصارعون على مستوى الزعامات، ولا يريدون التنازل لبعضهم البعض”.
وكشف الكنبوري في تدوينة على صفحته بالفيسبوك بعنوان “كورونا وعودة التشدد” أن “هذا حلم بعيد المنال لأن العالم تحكمه القوة وهي التي ستحسم الموقف غدا، ولكن من طبيعة الخائف أن يرجو ما لا يتحقق”.