الكنبوري يكتب عن “إلغاء حركة التاريخ من عقولنا”
هوية بريس – د.إدريس الكنبوري
من مظاهر التفكير الكسول في محيطنا الثقافي العربي أننا ألغينا حركة التاريخ من عقولنا وأصبحنا نتعامل مع الأحداث على أنها تحصل في فنجان سرعان ما تصطدم بالزجاج فتهدأ ويسكن الفنجان؛ بينما هي تحصل في نهر يتحرك لا أحد يعرف متى يتوقف وأين.
هكذا كنا نقرأ ونسمع قبل بضع سنوات؛ أن إسرائيل باقية وتتمدد؛ وأن أمريكا باقية كما هي؛ بل باقية بكل قوتها؛ وأن الفقر والتخلف مصيرنا إلى الأبد. وحين تقول بأن كليهما إلى زوال وأن أوروبا سوف تدخل في حروب همجية وأن المسلمين سيعودون إلى قيادة العالم ترى العقول الجافة تسخر منك.
التاريخ يتحرك وليس له أصدقاء. مرت إمبراطوريات كان سكانها يظنون أنها ستعيش إلى الأبد؛ بل مر حكام وأباطرة ظن العبيد أنهم لا يموتون. نعم حصل ذلك. وقبل أقل من قرن فقط كانت بريطانيا تسمى الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس؛ لكنها غربت وأشرقت في مكان آخر. وكان الاتحاد السوفياتي يرعب العالم ويمد أصابعه الطويلة في كل مكان في العالم فتساقط مثل كومة من الحمص. وكانت فرنسا تتمدد في إفريقيا وها هي اليوم تنكمش باحثة فقط عن مكان تنام فيه؛ وقريبا ستصبح مثل دولة من العالم الثالث. وكان الغرب قبل نصف قرن لا يخشى المسلمين وها هو اليوم يضع لهم اعتبارا كشعوب وأقليات بداخله. وقبل عشر سنوات فقط لم يكن أحد يتحدث عن زوال إصرائيل؛ وها نحن اليوم نقرأ ونسمع اليهود أنفسهم يقولون ذلك.
مشكلتنا أننا نتعامل كجمهور مع الأحداث يتفرج ولا يحلل ولا ينظر إلى المآلات. نقرأ “كل يوم هو في شأن” ونقول صدق الله العظيم وكأنها مجرد عبارة؛ بينما هي ناموس كوني؛ فالله يقلب العالم كما يشاء؛ ويطلب أن نمشي في الأرض لنتعلم ونفهم؛ لكننا نسير لنرعى كالبهيمة؛ فقد طلب الله منا أن نسير في الأرض وننظر ثم نرفع رؤوسنا ونفكر؛ لكننا غرسنا وجوهنا في الأرض ولم نرفعها.
نحن قوم لم ينفعنا القرآن في التحليل الاستراتيجي والسياسي والحضاري. آفتنا أننا نحب السرعة بينما القرآن يقدم لنا تحليلات على مدى مائة سنة أو أكثر. القرآن ليس مهتما كالدول بالمخطط الخماسي أو العشري؛ وإنما مخططاته واسعة المدى لا تدخل فيها الأعشار والوحدات بل المئون؛ لأنها مخططات شاملة للبشرية لا لدولة أو إمبراطورية؛ وهو يتوجه بها إلى الذين يصبرون ويثقون لا الذين يستعجلون من أصحاب المخططات الخماسية. إن مخططاته ليس لها زمن معين للتنفيذ؛ وغير متوقعة من حيث التوقيت؛ وما يحصل في فلسطين هو واحد من هذه المخططات الكبرى التي بدأت قبل قرن ولا زال مستمرا؛ وإن كنا نؤمن بأنه قارب النهاية؛ غير أن النهاية ليست مثل نهايات المخططات البشرية؛ فقد تستغرق عشرين أو ثلاثين سنة؛ لأن يوما عند ربك كألف سنة مما نعد؛ ولا تساوي الثلاثون سنة في الألف شيئا.