اللغز بين سلطنة عُمان و”إسرائيل”
ليست زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي نيتنياهو الى سلطنة عمان إلا استئنافا لعلاقات لم تنقطع منذ 1977، فمن الضروري رؤية هذه الزيارة في نطاق الاتجاه العام للسياسة العمانية تجاه اسرائيل، فالسلطنة كانت الدولة العربية الاكثر تأييدا لزيارة السادات للقدس عام 1977، وهي التي امتنعت عن قطع العلاقة مع مصر بعد الزيارة رغم الموقف العربي بل هي من رعت المصالح المصرية مع الدول العربية التي قطعت علاقاتها مع مصر بعد خطاب السادات في الكنيسيت في ذلك العام..
من جانب آخر، فإن السلطنة هي الدولة العربية التي لم تشارك بأي شكل من الاشكال في الحروب العربية الاسرائيلية ، فكل الدول العربية تقريبا ارسلت مقاتلين منها في الحروب مع اسرائيل سواء من المغرب العربي (الجزائر وليبيا والمغرب) او السودان او دول الخليج العربي ، بينما لم تقبل عُمان المشاركة في أي جهد عسكري عربي ضد اسرائيل حتى ولو بمشاركة شكلية او استجابة لضغوط محلية.
الجانب الآخر، ان العلاقات العمانية الاسرائيلية أخذت طابعا علنيا منذ أكثر من ربع قرن تقريبا ، ففي عام 1994 زار اسحق رابين السلطنة والتقى مع قابوس وجرى البحث في عدد من المشروعات بخاصة في قطاع المياه، وفي عام 1995 التقى شيمون بيريز وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي في القدس، وفي عام 1996 وقعت السلطنة اتفاقا مع اسرائيل لفتح مكاتب تمثيل تجارية، وفي عام 2008 التقى يوسف بن علوي مع وزيرة الخارجية تسبي ليفني في قطر، وها هو نتينياهو يلتقي هذا الاسبوع مع السلطان، وهو ما يعني ان العلاقات لم تنقطع ولا مفاجأة في الامر، بخاصة أن البيان الاسرائيلي حول الزيارة اشار الى ما نصه “إن الزيارة تمت بعد اتصالات مطولة بين الطرفين”، أي ان الزيارات واللقاءات بين الطرفين لم تنقطع.
فإذا اضفنا لذلك دور السفارة الافتراضية التي تشرف عليها الخارجية الاسرائيلية لنسج العلاقة مع المجتمع الخليجي تكتمل صورة العلاقات الخليجية –ومنها العمانية- مع اسرائيل.
والملاحظ ان تصريحات نيتنياهو منذ أكثر من بضعة شهور أشارت الى تطور العلاقات الإسرائيلية الخليجية، وهو ما تكشف بوضوح باحياء دبلوماسية البنغ بونغ (التي كانت مقدمة للعلاقات الصينية الامريكية)، فخلال الاسبوع الحالي زار وزير الرياضة الاسرائيلي دولة الامارات ، وها هو فريق الجمباز الاسرائيلي في زيارة لقطر في ذات الوقت الذي يتم فيه قصف غزة.
ماذا وراء كل ذلك؟ هناك ثلاث فرضيات لكل منها مبرراتها:
الفرضية الأولى:
ان زيارة نيتنياهو لمسقط لها صلة بزيارة رئيس الاركان الاذربيجاني لاسرائيل؟ وكأن اسرائيل توحي لإيران بأن تواجدك العسكري على حدودي في سوريا يستوجب الاقتراب من حدودك الجنوبية( عُمان) والشمالية (اذربيجان التي لها علاقات قوية للغاية مع اسرائيل)؟ إنها فرضية تستحق التأمل، لكن نقطة ضعفها ان عُمان لا تميل لدبلوماسية المواجهة بمقدار تبنيها دبلوماسية الإنابة (Proxy Diplomacy) منذ تولي قابوس سلطته قبل 48 سنة.
ولكن بالمقابل ، تشير طبيعة تركيبة الوفد المرافق لنيتنياهو في زيارته للسلطنة الى أنها ذات طبيعة “أمنية” وتتسق مع طبيعة الوفد الأذري ، فالوفد الاسرائيلي الذي رافق نيتنياهو الى مسقط يضم رئيس الموساد و مستشار الامن القومي والمدير العام للخارجية والسكرتير العسكري لرئاسة الوزراء، أي ان الطابع العسكري الامني يغلب على الوفد مما يعني ان المناقشات لم تكن ذات طبيعة سياسية بمقدار ما هي امنية، وهو ما يعزز الاقتراب من الحدود الايرانية شمالا وجنوبا ردا على الوجود الايراني في سوريا قريبا من اسرائيل.
الفرضية الثانية:
ان الإدارة الامريكية قررت نقل عاصمة دبلوماسية الانابة (Proxy Diplomacy) من الدوحة الى مسقط؟ بخاصة ان الدور القطري لم يعد قائما لأسباب كثيرة اهمها الفشل القطري في المهمة التي أوكلت لها في هذا المجال، ولعل ما يعزز هذه الفرضية هي:
أ- زيارة عباس الى مسقط قبل زيارة نيتنياهو
ب- محاولات عُمان التوسط مع الحوثيين في الافراج عن بعض الغربيين ، ناهيك عن زيارات مندوبي الامم المتحدة لها في هذا السياق بشكل دائم، بل ودورها في حمى التفاوض حول البرنامج النووي الايراني بين طهران وواشنطن.
ت- ان عُمان بقيت تحتفظ بمسافات متقاربة عن كل الاطراف المتصارعين في المنطقة (بين السعودية وايران) بين قطر والسعودية، بين العرب واسرائيل، ولم تظهر في المشهد السوري او في عاصفة الربيع العربي
فإذا ربطنا بين جهود الرئيس الامريكي ترامب لإيجاد منافذ لتطبيق ” صفقة القرن” وبين ثقوب الجدران العربية ، يمكن تلمس أن الخطة التي رسمها ترامب ونيتنياهو تسير قدما، وتقوم هذه الخطة على الفصل بين تطور العلاقات العربية الاسرائيلية وبين تسوية القضية الفلسطينية، وهو ما سيجعل العلاقات العربية الاسرائيلية تتطور الى الحد الذي يصل الى مرحلة متقدمة تنتج عنها شبكة علاقات ومصالح كبيرة تُقزم بالمقارنة حجم الموضوع الفلسطيني ليطويه التقادم وغبار المشاريع المشتركة.
الفرضية الثالثة: الجمع بين الفرضيتين ثم اختبار ايهما أقرب للتحقق، بمعنى جعل أحدهما تقوم مقام الخطة “ب” في حال فشل الخطة “أ”… ربما.
———-
(*) أ. د. وليد عبد الحي؛ حاصل على درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة القاهرة عام 1980، عمل في معهد العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة الجزائر خلال الفترة 1982-1994؛ أستاذاً للدراسات المستقبلية، وشغل منصب رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة اليرموك خلال الفترة1996-1998
ألَّف العديد من الكتب والدراسات المتخصصة في الدراسات المستقبلية والعلاقات الدولية، وأبرز مؤلفاته: “معوقات العمل العربي المشترك”، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1987. و”الدراسات المستقبلية في العلاقات الدولية”، الرباط 1992.
نريد الجريدة أن تستنكر الفريق الرياضي اليهودي الذي زار الدوحة