الله أكبر والخلائق أضعف
هوية بريس – متابعة
الحمد لله رب العالمين، له الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكم وإليه ترجعون،
تعالى جده وتبارك اسمه، {نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا}، {وخلق كل شيء فقدره تقديرا}، {ذلكم الله ربكم} {الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك}.
لا يبلغ كُنْه صفته الواصفون ولا يحيط بأمره المتفكرون، وأنَّى لعبد متصف بكل صفات النقص أن يحيط بأمر مَن له الأسماء الحسنى والصفات العلى وأحاط بكل شيء علما!!!
وجِماع الأمر: أن يعرف العبد ربه ويعرف نفسه.
فمن عرف ربه وما يستحقه من العبادة والحمد والشكر لم يستكثر ولم يمنُن مهما آتى من الطاعات،
ومن عرف حقارةَ نفسه ونقصانَ كل ما يكون منه استحيىٰ من مولاه،
هذا وهو مقبل على طاعة ربه، فكيف بمن هو مقبل على معصية، بل على ما فيه تجرُّؤٌ على رب الأرباب؛
يخوض في أحكامه التي أحكمها في كتاب سماه فُرقانا، يفَرق فيه بين الحق والباطل، وجعله للعالمين كلِّهم نذيرا، لا لقوم دون قوم أو زمن دون زمن. ووصف نفسه بأنه خلق كلَّ شيء فقدّره تقديرا؛ حتى لا يتوهم زنديق وجود خلل أو سهو في شرعه. قدم فقال {أحسن كل شيء خلقه} ثم أعقب فقال { وبدأ خلق الإنسان من طين} فخلْقه من الطين خلْق حسن، ومن استقبحه طرد من رحمة الله، {قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون قال فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين} وأسند الأمر للذي خلق الأشياء {ألا له الخلق والأمر} وامره وشرعه كله حسن، فمن استقبحه وفضل عليه غيره فهو مطرود ملعون،وأنى للعبد الذليل أن يستدرك على أحكام رب العالمين، وهو: لم يخلق ولا اتّكل في ذلك على خالق.
وإنما اتخذ من دون الله آلهة {لايخلقون شيئا وهم يخلقون} ولا يملكون لأنفسهم -وبالأحرى لغيرهم- ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا، وأوثانا مودة بينه وبينهم في الحياة الدنيا ويوم القيامة يكفر بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضا ومأواهم النار وما لهم من ناصرين.
وأنزل الكتاب على نبي كريم مطاع أمين، تسابق إلى طاعته من عرف قدره، وحاد عن سبيله من سفه نفسه،
والسابقون المتسابقون هم الذين قال فيهم ربنا: {إنما المؤمنون الذين ءامنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه}.
وأولئك الغاوون الذين أمْثَلهم طريقة رويبضةٌ جهول،
فلا هم يستأذنون رسول الله ولا ورثته من العلماء في أمورهم ولا أمور أمته صلى الله عليه وسلم. وهم الذين قال فيهم ربنا: {ويقولون ءامنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولىٰ فريق منهم من بعد ذلك وما أولٰئك بالمؤمنين، وإذا دُعُوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل اولائك هم الظالمون} أساءوا السوأى واستهزءوا بآيات الله، إنهم ساء ما كانوا يعملون.
أنزله عليه سبحانه وهو يستحثه بقوله: {وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم} يثبته ويقويه بهذا الكلام المؤكد بالنون واللام والعلو ووصف الهدى بالاستقامة، ولا يكون الهدى إلا مستقيما ولكن المقام مقام تثبيت وتوكيد.
ولا ندري متى ولا كيف اعوج هذا الهدى المستقيم حتى يدعي الزنادقة تقويمه؟ {وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون}.
«مجلس فقهاء المغرب».