الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا
هوية بريس – نور الدين درواش
إن أعظم منطلق ينطلق منه المسلم في التعامل مع شريعة ربه هو حسن الظن بالله، واعتقاد أن الله سبحانه وتعالى قد بعث النبي صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه القرآن الكريم رحمة بهذه الأمة ورعاية لمصالحها في معاشها ومعادها.
فقد وصف الله القرآن بقوله: (وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤمِنِينَ)[النمل:77] ووصف النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةً لِّلۡعَٰلَمِينَ) [الأنبياء:107].
ومكمن الرحمة في نصوص القرآن والسنة وأحكامهما قد لا يبدو لكثير من الناس، وبخاصة من ابتعدوا عن فهم روح الشريعة وأسرارها ومقاصدها وعلل أحكامها ولكن المؤمن الصادق في إقباله على الله يكفيه قول الله تعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعلَمُون”.
وقد صور النبي صلى الله عليه وسلم في مشهد يفيض رحمة وعطفا وحنانا رحمة الله بخلقه فيما رواه عُمرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَبْي فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْي تَبْتَغِي إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْي أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟” قُلْنَا لاَ وَاللَّهِ وَهِي تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا”. رواه مسلم (برقم:2754).
فإذا استَصْحب المسلمون جميعا هذا الأصل فإنهم لن يتوانوا قيد أنملة في الإذعان لأحكام الشريعة الإسلامية صغيرها وكبيرها والالتزام بها؛ طالما أن ذلك كله صادر عن رب رحيم بعباده وهو فوق ذلك عليم حكيم، خلق الإنسان وهو يعلم ما يصلح له وما يصلحه في دنياه وفي آخرته، (أَلَا يَعۡلَمُ مَنۡ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلۡخَبِيرُ). [الملك: 14].
وهذا هو المحز وبيت القصيد في الخلاف بين المدافعين عن الشريعة الإسلامية والمطالبين بتحكيمها وبين مناوئيهم ومحاربي الشريعة من العلمانيين واللبراليين والحداثيين وغيرهم.
فنقول لهم جميعا: هل أنتم مسلمون؟؟
وطبعا جواب الغالبية الساحقة منهم -سواء كانوا صادقين أم لا-: نعم نحن مسلمون.
فجوابنا لهم: إن الإندراج في سلك الإسلام لا يتم إلا بمحبة الله محبة تجعل المسلم يقدمه عن نفسه وولده وماله وشهواته والناس أجمعين.
قال تعالى: (قُلۡ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمۡ وَأَبۡنَآؤُكُمۡ وَإِخۡوَٰنُكُمۡ وَأَزۡوَٰجُكُمۡ وَعَشِيرَتُكُمۡ وَأَمۡوَٰلٌ ٱقۡتَرَفۡتُمُوهَا وَتِجَٰرَةٞ تَخۡشَوۡنَ كَسَادَهَا وَمَسَٰكِنُ تَرۡضَوۡنَهَآ أَحَبَّ إِلَيۡكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِۦ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ) [التوبة:24].
ومحبة الله تعالى تقتضي محبة شرعه وكتابه والعمل بمقتضى ذلك… فإن الكتاب والسنة ما أنزلهما الله تعالى للتبرك والقراءة وتحسين الصوت وتجميله وتزيينه بذلك، بل لابد من العمل الذي يترتب عليه في الآخرة ثواب أو عقاب.
وقد أخرج الإمام مالك في الموطأ أن عَبْدَ اللهِ بْن مَسْعُودٍ رضي الله عنه قالَ لإِنْسَانٍ يصف أحوال الناس في زمانه، وما يأتي بعد ذلك: «إِنَّكَ فِي زَمَانٍ كَثِيرٌ فُقَهَاؤُهُ، قَلِيلٌ قُرَّاؤُهُ، تُحْفَظُ فِيهِ حُدُودُ الْقُرْآنِ، وَتُضَيَّعُ حُرُوفُه،ُ قَلِيلٌ مَن يَسْأَلُ، كَثِيرٌ مَن يُعْطِي، يُطِيلُونَ فِيهِ الصَّلاةَ، وَيَقْصُرُونَ الْخُطْبَةَ، يُبَدُّونَ أَعْمَالَهُمْ قَبْلَ أَهْوَائِهِمْ، وَسَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ قَلِيلٌ فُقَهَاؤُهُ، كَثِيرٌ قُرَّاؤُهُ، يُحْفَظُ فِيهِ حُرُوفُ الْقُرْآنِ، وَتُضَيَّعُ حُدُودُهُ، كَثِيرٌ مَن يَسْأَلُ، قَلِيلٌ مَن يُعْطِي، يُطِيلُونَ فِيهِ الْخُطْبَةَ، وَيَقْصُرُونَ الصَّلاةَ، يُبَدُّونَ فِيهِ أَهْوَاءَهُمْ قَبْلَ أَعْمَالِهِمْ”(رقم88).
والذي يتأمل في حال الرعيل الأول من الصحابة رضوان الله عليهم الذين اختارهم الله عز وجل لصُحْبة نبيه صلى الله عليه وسلم يجد أنهم كانوا يعلمون أنه ما يأتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم إلا الخير والرحمة والهدى، وكل ذلك يثمر الانخراط فيه والعمل به سعادتي الدنيا والآخرة مصداقا لقول الله تعالى: (مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٌ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةً طَيِّبَةً وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ) [النحل:97].
روى مسلم عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: «نَهَانَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَمْرٍ كَانَ لَنَا نَافِعًا، وَطَوَاعِيَةُ اللهِ وَرَسُولِهِ أَنْفَعُ لَنَا…» (برقم 1548).
فهكذا كانوا يعاملون الوحي وهكذا كانوا يتلقون أحكام الشريعة ولهذا سادوا وفازوا في الدنيا والآخرة.
وروى الإمام مالك عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي نِسْوَةٍ بَايَعْنَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَقُلْنَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ لَا نُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا نَسْرِقَ، وَلَا نَزْنِيَ، وَلَا نَقْتُلَ أَوْلَادَنَا، وَلَا نَأْتِيَ بِبُهْتَانٍ نَفْتَرِيهِ بَيْنَ أَيْدِينَا وَأَرْجُلِنَا، وَلَا نَعْصِيَكَ فِي مَعْرُوفٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فِيمَا اسْتَطَعْتُنَّ وَأَطَقْتُنَّ»، قَالَتْ: فَقُلْنَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَرْحَمُ بِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا، هَلُمَّ نُبَايِعْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ، إِنَّمَا قَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ كَقَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مِثْلِ قَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ» (2/982).
إنها عبارة من امرأة فهمت معنى الإسلام الذي هو الاستسلام الكامل لله والانقياد لأحكامه.
عبارة تكتب بماء العيون لتقدم على طبق من ذهب لهواة الطعن في الأحكام الشرعية من مشرعني الزنا والربا ودعاة “المساواة” وأنصار النسوية..